responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 164

ينغّص الدنيا و يبغّضها إلى القلب، و بغضها رأس كلّ حسنة، كما أن حبها رأس كل خطيئة، و للعارف في ذكره فائدتان: إحداهما: النفرة من الدنيا، و الأخرى: الشوق إلى الآخرة، فإن المحب لا محالة مشتاق، و معنى الشوق في المحسوسات استكمال الخيال بالترقي إلى المشاهدة، فإن المشتاق إليه مدرك لا محالة بالخيال، و غائب عن الأبصار، و أحوال الآخرة و نعيمها، و جمال الحضرة الربوبية، مدرك كل ذلك للعارف يعرفه كأنه نظر من وراء ستر رقيق في وقت الإسفار و ضعف النور، فهو مشتاق إلى استكمال ذلك بالتجلي و المشاهدة، و يعلم أن ذلك لا يكون إلا بالموت؛ فلذلك لا يكره الموت، لأنه لا يكره لقاء اللّه تعالى. و لا سبب لإقبال الخلق على الدنيا إلا قلة التفكر في الموت، و طريق الفكر فيه أن يفرّغ الإنسان قلبه عن كل فكر سواه؛ و يجلس في خلوة و يباشر ذكر الموت بصميم قلبه، و يتفكر أولا في أخدانه و أشكاله الذين مضوا، فيتذكرهم واحدا واحدا، و يتذكر حرصهم و أملهم و ركونهم إلى الجاه و المال، ثم يتذكر مصارعهم عند الموت، و تحسرهم على فوات العمر و تضييعه، ثم يتفكر في أجسادهم كيف تمزقت في التراب و صارت جيفة يأكلها الديدان، ثم يرجع إلى نفسه و يعلم أنه كواحد منهم أمله كأملهم، و مصرعه كمصرعهم، ثم ينظر في أعضائه و ينظر كيف تتفتت، و إلى حدقته كيف يأكلها الدود، و إلى لسانه كيف يتهرأ و يصير جيفة في فيه. فإذا فعلت ذلك تتنغص عليك الدنيا و كنت سعيدا، إذ السعيد من وعظ بغيره، فلذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «أيها الناس، كأن الموت فيها على غيرنا كتب، و كأن الحق فيها على غيرنا وجب، و كأن الذين نشيّع من الأموات سفر عن قريب إلينا راجعون نبوؤهم أجداثهم و نأكل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظة و أمنّا كل جائحة».

[فصل أصل الغفلة عن الموت طول الأمل‌]

أصل الغفلة عن الموت طول الأمل، و ذلك عين الجهل؛ و لذلك قال صلى اللّه عليه و سلم لعبد اللّه ابن عمر- رضي اللّه عنهما-: «إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، و إذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، و خذ من حياتك لموتك، و من صحتك لسقمك، فإنك يا عبد اللّه لا تدري ما اسمك غدا»، و قال صلى اللّه عليه و سلم: «إن أخوف ما أخاف على أمتي خصلتان:

اتباع الهوى، و طول الأمل». و اشترى أسامة وليدة إلى شهرين بمائة، فقال عليه السلام: «ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهرين؟ إن أسامة لطويل الأمل، و الذي‌

نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 164
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست