نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 1 صفحه : 129
الشيطان و هي الشهوات و
دواعيها بعد البلوغ يظهر بواعث الدين و العقل إذ يحمل على النظر إلى العواقب، و
تبتدئ بقتال جند الشيطان، فإن ثبت باعث الدين في مقابلة باعث الهوى حتى غلبه، فقد
حصل مقام الصبر، إذ لا يتصور الصبر، إلا عند تعارض الباعثين على التناقض، و ذلك
كالصبر على شرب الدواء البشيع، إذ يدعو إليه داعي العقل، و يمنع منه داعي الشهوة.
و كل من غلبته شهوته لم يعزم عليه، و من غلب عقله شهوته صبر على مرارته لينال
الشفاء. و شطر الإيمان إنما يتم بالصبر؛ و لذلك قال النبي- عليه السلام-: «الصبر
نصف الإيمان»، لأن الإيمان يطلق على المعارف و الأعمال جميعا، و سائر الأعمال في
طرفي الكف و الإقدام و التزكية و التحلية لا يتم إلا بالصبر؛ لأن جملة أعمال
الإيمان على خلاف باعث الشهوة، فلا يتم إلا بثبات باعث الدين في مقابلته؛ و لذلك
قال- عليه السلام-: «الصوم نصف الصبر»، لأن الصبر تارة في مقابلة داعي الشهوة، و
تارة في مقابلة داعي الغضب؛ و الصوم هو كسر لداعية الشهوة.
[فصل فى درجات الصبر]
الصبر له ثلاث درجات بحسب
ضعفه و قوته:
الدرجة العليا: أن تقمع
داعية الهوى بالكلية، حتى لا يبقى لها قوة للمنازعة.
و يتوصل إليها بدوام الصبر
و طول المجاهدة؛ و ذلك من الذين قيل لهم: إِنَّ
الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا
[فصلت: 30، الأحقاف: 13]، و إياهم ينادي المنادي:
الدرجة السفلى: أن تقوى
داعية الهوى و تسقط منازعة باعث الدين، و يغلب الهوى و يسلم القلب لجند الشيطان؛ و
ذلك من الذين قيل فيهم: وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة: 13]. و علامته شيئان:
أحدهما، أن يقول: أنا
أشتاق إلى التوبة و لكن تعذرت عليّ، فلست أطمع فيها؛ فهذا هو القانط و هو الهالك.
الثاني: أن لا يبقى فيه شوق إلى التوبة، و لكن يقول: اللّه كريم رحيم و هو مستغن
عن توبتي فلا تضيق الجنة الواسعة و المغفرة الشاملة عنّي. و هذا المسكين قد صار
عقله أسير شهوته، و لا يستعمله إلا في استنباط حيل قضاء الشهوة، فصار عقله كالمسلم
الأسير بين الكفّار، يستسخرونه في رعاية الخنازير، و حفظ الخمور، و حملها على
العنق و الظهر إلى بيوتهم. فانظر كيف يكون حال العبد إذا أخذ
نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 1 صفحه : 129