إلى غير ذلك من الآيات، و في الأحاديث أيضا كثيرة. و بالجملة فإثبات
الحشر من ضروريات الدين، و إنكاره كفر بيقين.
فإن قيل:الآيات المشعرة بالمعاد الجسماني ليست أكثر و أظهر من الآيات المشعرة
بالتشبيه و الجبر و القدر، و نحو ذلك، و قد وجب تأويلها قطعا، فلنصرف هذه أيضا إلى
بيان المعاد الروحاني، و أحوال سعادة النفوس و شقاوتها بعد مفارقة الأبدان على وجه
يفهمه العوام، فإن الأنبياء مبعوثون إلى كافة الخلائق لإرشادهم إلى سبيل الحق، و
تكميل نفوسهم بحسب القوة النظرية و العملية، و تبقية النظام المفضي إلى صلاح الكل،
و ذلك بالترغيب و الترهيب بالوعد و الوعيد و البشارة بما يعتقدونه لذة و كمالا، و
الإنذار عما يعتقدونه ألما و نقصانا، و أكثرهم عوام تقصر عقولهم عن فهم الكمالات
الحقيقية، و اللذات العقلية، و تقتصر على ما لقوه من اللذات و الآلام الحسية، و
عرفوه من الكمالات و النقصانات البدنية، فوجب أن تخاطبهم الأنبياء بما هو مثال
للمعاد الحقيقي ترغيبا و ترهيبا للعوام، و تتميما لأمر النظام، و هذا ما قال أبو
نصر[1]الفارابي أن الكلام مثل و خيالات للفلسفة.
قلنا:إنما يجب التأويل عند تعذر الظاهر. و لا تعذر هاهنا، سيما على القول
بكون البدن المعاد مثل الأول، لا عينه، و ما ذكرتم من حمل كلام الأنبياء و نصوص
الكتاب على الإشارة إلى مثال معاد النفس، و الرعاية لمصلحة العامة نسبة للأنبياء
إلى الكذب فيما يتعلق بالتبليغ، و القصد إلى تضليل أكثر الخلائق، و التعصب طول
العمر لترويج الباطل و إخفاء الحق، لأنهم لا يفهمون إلا هذه الظواهر التي لا حقيقة
لها عندكم. نعم، لو قيل: إن هذه الظواهر مع إرادتها من الكلام و ثبوتها في نفس
الأمر مثل للمعاد الروحاني و اللذات و الآلام العقلية، و كذا أكثر ظواهر القرآن
على ما يذكره المحققون من علماء الإسلام، لكان حقا لا ريب فيه و لا اعتداد بمن
ينفيه.
قال: احتج المنكرون بوجوه: الأول-
[1]سبق الترجمة له فى هذا الجزء في كلمة
وافية فليرجع إليها.