و زعمت الإمامية[1]من
الشيعة أن محمد بن الحسن العسكري اختفى عن الناس خوفا من الأعداء. و لا استحالة في
طول عمره كنوح و لقمان و الخضر (عليهم السلام) و أنكر ذلك سائر الفرق، لأنه ادعاء
أمر يستبعد جدا، إذ لم يعهد في هذه الأمة مثل هذه الأعمار من غير دليل عليه و لا
أمارة و لا إشارة إقامة من النبي (صلى اللّه عليه و سلّم) و لأن اختفاء إمام هذا القدر
من الأنام بحيث لا يذكر منه إلا الاسم بعيد جدا، و لأن بعثه مع هذا الاختفاء عبث،
إذ المقصود من الإمامة الشريعة، و حفظ النظام، و دفع الجور. و نحو ذلك و لو سلم
فكان ينبغي أن يكون ظاهرا ليظهر دعوى الإمامة كسائر الأئمة من أهل البيت ليستظهر
به الأولياء و ينتفع به الناس، لأن أولى الأزمنة بالظهور هو هذا الزمان، للقطع
بأنه يتسارع إلى الانقياد له و الاجتماع معه النسوان و الصبيان، فضلا عن الرجال و
الأبطال.
و أما نزول عيسى (عليه السلام): فعن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و
سلّم) أنه قال: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر
الصليب، و يقتل الخنزير ..» الحديث[2].
و قال (صلى اللّه عليه و سلّم): «كيفأنتم إذا نزل ابن مريم
فيكم و إمامكم منكم» ثم لم يرو في حاله مع إمام الزمان حديث صحيح سوى ما روي أنه
قال (صلى اللّه عليه و سلّم) لا يزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى
يوم القيامة قال: فينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم: تعالى صل لنا. فيقول: لا، إن
بعضكم على بعض أمراء تكرمة إليه هذه الأمة. فما يقال: إن عيسى (صلى اللّه عليه و
سلّم) يقتدي بالمهدي، أو بالعكس شيء لا مستند له.
[1]الإمامية: هم الذين قالوا بالنص
الجلي على إمامة علي رضي اللّه عنه، و كفروا الصحابة- و هم الذين خرجوا على علي-
رضي اللّه عنه عند التحكيم و كفروه، و هم اثنا عشر ألف رجل كانوا أهل صلاة، و
صيام، و فيهم قال النبي صلى اللّه عليه و سلّم يحقر أحدكم صلاته في جنب صلاتهم، و
صومه في جنب صومهم، و لكن لا تتجاوز القراءة تراقيهم».
[2]رواه الإمام مسلم في كتاب الإيمان 71
باب نزول عيسى بن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى اللّه عليه و سلّم 242-
[155]
بسنده عن أبي هريرة يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم و ذكره. و رواه
الإمام البخاري في كتاب المظالم 31، و البيوع 102 و الأنبياء 49، و أبو داود في
الملاحم 14 و الترمذي في الفتن 54، و ابن ماجه في الفتن 33 و أحمد بن حنبل في
المسند 2: 240، 272 394 (حلبى).