أين لكم أن اجتهاده في هذه المسألة و حكمه بعدم القصاص على الباغي أو
باشتراط زوال المنعة صواب، و اجتهاد القائلين بالوجوب خطأ ليصح له مقاتلتهم؟ و هل
هذا إلا كما إذا خرج طائفة على الإمام، و طلبوا منه الاقتصاص ممن قتل مسلما
بالمثقل؟
قلنا:ليس قطعنا بخطئهم في الاجتهاد عائدا إلى حكم المسألة نفسه، بل إلى
اعتقادهم أن عليا (رضي اللّه عنه) يعرف القتلة بأعيانهم، و يقدر على الاقتصاص
منهم. كيف و قد كانت عشرة آلاف من الرجال يلبسون السلاح و ينادون: أننا كلنا قتلة
عثمان. و بهذا يظهر فساد ما ذهب إليه عمرو بن عبيدة[1]و واصل بن عطاء من أن المصيب إحدى الطائفتين، و لا نعلمه على
التعيين. و كذا ما ذهب إليه البعض من أن كلتا الطائفتين على الصواب بناء على تصويب
كل مجتهد، و ذلك لأن الخلاف إنما هو فيما إذا كان كل منهما مجتهدا في الدين على
الشرائط المذكورة في الاجتهاد، لا في كل من يتخيل شبهة واهية و يتأول تأويلا
فاسدا. و لهذا ذهب الأكثرون إلى أن أول من بغى في الإسلام معاوية، لأن قتلة عثمان
لم يكونوا بغاة بل ظلمة و عتاة، لعدم الاعتداد بشبهتهم، و لأنهم بعد كشف الشبهة
أصروا إصرارا و استكبروا استكبارا.
قال: و في حرب الخوارج (الأمر أظهر إذ التحكيم لا يصلح شبهة في
الخروج عن الطاعة كيف و هو نوع إصلاح و قد قال اللّه تعالى:فَأَصْلِحُواو الأمر بالقتال ليس
للفور).
الأمر أظهر لأن الحكمة من نصب الإمام، و هي تألف القلوب و اجتماع
الكلمة كما يحصل بالقتال فقد يحصل بالتحكيم، سيما و قد شرط أن يحكم الحكمان
[1]هو عمرو بن عبيد بن باب التميمي
بالولاء أبو عثمان البصري شيخ المعتزلة في عصره، و فقيها، و أحد الزهاد المشهورين
كان جده من سبى فارس، و أبوه نساجا ثم شرطيا للحجاج في البصرة، و اشتهر عمرو بعلمه
و زهده و أخباره مع المنصور العباسي، له رسائل و كتب منها «التفسير» و الرد على
القدرية، توفي بمران (بقرب مكة) عام 144 ه و في العلماء من يراه مبتدعا قال يحيى
بن معين كان من الدهرية الذين يقولون: إنما الناس مثل الزرع. راجع وفيات الأعيان
1: 384 و البداية و النهاية 10: 78 و ميزان الاعتدال 2: 294.