أمر الشورى. لنا على كون البيعة و الاختيار طريقا أن الطريق إما النص
و إما الاختيار. و النص منتف في حق أبي بكر (رضي اللّه تعالى عنه) مع كونه إماما
بالإجماع، و كذا في حق علي عند التحقيق. و أيضا اشتغل الصحابة (رضي اللّه تعالى
عنهم) بعد وفاة النبي (صلى اللّه عليه و سلّم)[1]و مقتل عثمان (رضي اللّه تعالى عنه) باختيار الإمام، و عقد البيعة من
غير نكير، فكان إجماعا على كونه طريقا، و لا عبرة بمخالفة الشيعة بعد ذلك احتجت
الشيعة بوجوه:
الأول- أن الإمام يجب أن يكون معصوما أفضل من رعيته. عالما بأمر الدين كله.
و لا سبيل إلى معرفة ذلك بالاختيار، و رد بمنع المقدمتين فقد سبق عدم اشتراط
الأمور، و علم بالضرورة حصول الظن لأهل الحل و العقد بالصفات المذكورة.
الثاني- أن أهل البيعة لا يقدرون على تولية مثل القضاء و الاحتساب، و لا على
التصرف في فرد من آحاد الأمة، فكيف يقدرون على تولية الرئاسة الكبرى و على أقدار
الغير على التصرف في أمر الدين و الدنيا لكافة الأمة. ورد بمنع الصغرى، فإن
التحكيم جائز عندنا و الشاهد يجعل القاضي قادرا على التصرف في الغير، و لو سلم
فذلك لوجود من إليه التولية و هو الإمام، و لا كذلك إذا مات، و لا إمام غيره.
الثالث- أن الإمامة لإزالة الفتن و إثباتها بالبيعة مظنة إثارة الفتن لاختلاف
الآراء، كما في زمن علي (رضي اللّه تعالى عنه) و معاوية، فتعود على موضوعها
بالنقض. و رد بأنه لا فتنة عند الانقياد للحق. فإن جهات الترجيح من السبق و غير
معلومة من الشريعة. و نزاع معاوية لم يكن في إمامة علي (رضي اللّه عنه) بل في أنه
هل يجب عليه بيعته قبل الاقتصاص من قتلة عثمان؟ و أما عند الترفع و الاستيلاء
[1]مات رسول اللّه- صلى اللّه عليه و
سلّم- و علم المسلمون بوفاته و وصل خبر وفاته إلى عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه و
أخذه الخبر من كل جانب و أسقط في يده حتى قال: من قال إن محمدا قد مات أخذت رقبته
بهذا السيف حتى جاء أبو بكر و تلا قول اللّه تعالىوَ ما
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ. فعاد عمر إلى
صوابه- ثم ذهب مع أبي بكر إلى سقيفة بني ساعده فوجدا فيها الأنصار و تشاوروا في
الأمر ثم اشتد الأمر حتى قالت الأنصار لأبي بكر منا أمير و منكم أمير ثم حسم هذا
الأمر ببيعة أبي بكر الصديق- رضي اللّه عنه.