و منها أن للفاسق بعض أحكام المؤمن المطلق كعصمة الدم و المال و الإرث من المسلم، و المناكحة، و الغسل، و الصلاة عليه، و الدفن في مقابر المسلمين. و بعض أحكام الكافر كالذم و اللعن، و عدم أهلية الإمامة، و القضاء و الشهادة. فيكون له منزلة بين المنزلتين فلا يكون مؤمنا و لا كافرا.
و الجواب أن هذا إنما يتم لو كان ما جعلتموه أحكام الكافر خواصه التي لا تتجاوزه إلى المؤمن أصلا، كما في أحكام المؤمن، و هذا نفس المتنازع. فإنها عندنا تهم الكافر و بعض المؤمنين، و في كلام المتأخرين من المعتزلة ما يرفع النزاع، و ذلك أنهم لا ينكرون وصف الفاسق بالإيمان بمعنى التصديق أو بمعنى إجراء الأحكام، بل بمعنى استحقاق غاية المدح و التعظيم، و هو الذي نسميه الإيمان الكامل، و نعتبر فيه الأعمال، و ننفيه عن الفساق، فيكون لهم منزلة بين منزلة هذا النوع من الإيمان و بين منزلة الكفر بالاتفاق، و كأنه رجوع عن المذهب و إعراض، كما يقال في نفي الصفات: أنا نريد ما هو من قبيل الإعراض، و إلا فقد ماؤهم.
يصرحون بأن من أخل بالطاعة ليس بمؤمن بحسب الشرع، بل بمجرد اللغة، و بأن القول بتعدد القديم كفر من غير فرق بين العرض و غيره.
و أما الخوارج فمذهب جمهورهم إلى أن كل معصية كفر. و منهم من فرق بين الصغيرة و الكبيرة، و تمسكوا بوجوه:
الأول- النصوص الناطقة بكفر العصاة كقوله تعالى: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [1] و قوله تعالى في تارك الحج: وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ [2] و قوله تعالى: وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [3]