قالوا: و يجوز ان يكون هذا الجرم متولدا من الهواء و الأدخنة من غير
أن يقارن مزاجا يقتضي فيضان نفس إنسانية. ثم إن الحكماء، و إن لم يثبتوا المعاد
الجسماني، و الثواب و العقاب المحسوسين، فلم ينكروها غاية الإنكار، بل جعلوها من
الممكنات لا على وجه إعادة المعدوم، و جوزوا حمل الآيات الواردة فيها على ظواهرها،
و صرحوا بأن ذلك ليس مخالفا للأصول الحكمية و القواعد الفلسفية، و لا مستبعد
الوقوع في الحكمة الإلهية لأن للتبشير و الإنذار نفعا ظاهرا في أمر نظام المعاش و
صلاح المعاد، ثم الإيفاء بذلك التبشير و الإنذار بثواب المطيع و عقاب العاصي تأكيد
لذلك و موجب لازدياد النفع، فيكون خيرا بالقياس إلى الأكثرين، و إن كان ضرا في حق
المعذب، فيكون من جملة الخير الكثير الذي يلزمه شر قليل، بمنزلة قطع العضو لإصلاح
البدن.
[المبحث التاسع القول فى الثواب و العقاب]
قال: المبحث التاسع- الثواب فضل (المبحث التاسع- الثواب فضل، و
العقاب عدل، لا يجبان على اللّه إلا بمعنى أنه وعد و أوعد فلا يخلف على اختلاف في
الوعيد، و لا يستحقهما العبد إلا بمعنى ترتبهما على الأفعال و التروك، و ملائمة
إضافتهما إليها في مجاري العقول. و وافقنا على ذلك البصريون من المعتزلة و كثير من
البغدادية. لنا وجوه:
الأول- ما مر من أنه لا يجب عليه شيء.
الثاني- الطاعات، و إن كثرت لا تفي بشكر بعض النعم، فلا يستحق عوض عليها.
فإن قيل:تكليف الشكر على الإحسان مستقبح عقلا، و الشكر بلا مشقة صحيح، فلا بد
للمشاق من عوض لئلا تكون عبثا.
قلنا:بعد تسليم قاعدة الحسن و القبح و لزوم الغرض المستقبح هو الإحسان
للشكر، لا إيجاب الشكر على الإحسان. و لو سلم لزوم كون الغرض هو العوض فيكفي
التفضل عوضا.
الثالث- لو وجبا استحقاقا لما سقطا عمن واظب طول عمره على الطاعات