فمرجع التوحيد عندهم إلى وحدة الواجب لذاته[1]لا غير.
فالمعتزلة إنما يبالغون في نفس تعدد القديم.
و أهل السنة في نفي تعدد الخالق.
و الكل متفقون على نفي تعدد الواجب و المستحق للعبادة، و الموجد
للجسم.
و أما المشركون فمنهم الثنوية[2]القائلون بأن للعالم إلهين نور هو مبدأ الخيرات، و ظلمة هو مبدأ الشرور.
و منهم المجوس القائلون بأن مبدأ الخيرات هو (يزدان) و مبدأ الشرور
هو (أهرمن) و اختلفوا في أن (أهرمن) أيضا قديم أو حادث من (يزدان) و شبهتهم أنه لو
كان مبدأ الخير و الشر واحد لزم كون الواحد خيرا و شريرا و هو محال.
و الجواب: منع اللزوم إن أريد بالخير من غلب خيره، و بالشر[3]من غلب شره، و يمنع[4]استحالة
اللازم إن أريد خالق الخير و خالق الشر في الجملة.
غاية الأمر أنه لا يصلح إطلاق الشرير لظهوره فيمن غلب شره.
و عورض بأن الخير إن لم يقدر على دفع الشرير أو الشرور فعاجز، و إن
قدر و لم يفعل فشرير، و إن جعل إبقاؤها[5]خيرا
لما فيه من الحكم و المصالح الخفية كما تزعم المعتزلة في خلق إبليس[6]و ذريته و أقداره و تمكينه من الإغواء، فلعل نفس
[2]الثنوية: مذهب قديم شاع خاصة في بلاد
فارس قبل المسيحية و بعدها و انتسبت إليه فرق تحمل أسماء أصحابها أقدمها
الزرادشتية نسبة الى زرادشت و كان يمثل النور و الظلمة (يزدان و أهرمن) و منها
الديصانية نسبة إلى ديصان و المانوية نسبة إلى ماني ثم المزدكية نسبة إلى مزدك، و
من الثنوية الطائفة المرقونية التي حاولت أن تمزج بينها و بين المسيحية. راجع
القاموس الإسلامي ج 1 ص 543.
[6]إبليس: هو اسم أعجمي ممنوع من الصرف،
و قيل عربي و اشتقاقه من الإبلاس لأن اللّه تعالى أبلسه من رحمته، و آيسه من
مغفرته. قال ابن الأنباري: لا يجوز أن يكون مشتقا من أبلس لأنه لو كان مشتقا-