فهي عندنا راجعة إلى خلق الإيمان و الاهتداء، و الكفر و الضلال بناء على
ما مرّ من أنه الخالق وحده خلافا للمعتزلة بناء على أصلهم الفاسد. أنه لو خلق فيهم
الهدى[7]و الضلال لما صح منه المدح و الثواب و الذم و العقاب فحملوا الهداية
على الإرشاد إلى طريق الحق بالبيان، و نصب الأدلة أو الإرشاد في الآخرة إلى طريق
الجنة، و الإضلال على الإهلاك، و التعذيب أو التسمية و التثبيت[8]و التلقيب بالضال أو، الوجدان ضالا و لما ظهر على بعضهم أن بعض هذه
المعاني تقبل التعليق بالمشيئة و بعضها لا يخص المؤمن دون الكافر، و بعضها ليس
مضافا إلى اللّه تعالى دون النبي صلى اللّه عليه و سلّم، و بعض معاني الإضلال لا
يقابل الهداية، جعلوا الهداية بمعنى الدلالة الموصلة إلى النعيم[9]و الإضلال مع أنه فعل الشيطان مسندا إلى اللّه تعالى مجازا لما أنه
بإقداره، و تمكينه، و لأن ضلالهم بواسطة ضربه المثل فييُضِلُّ بِهِ
كَثِيراً[10]أو بواسطة الفتنة التي هي الابتلاء و التكليف فيتُضِلُّ بِها
مَنْ تَشاءُ[11]و نحن نقول:
بل الهداية هي الدلالة على الطريق الموصل سواء كانت موصلة أم لا و
العدول إلى المجاز، إنما ليصح عند تعذر الحقيقة، و لا تعذر. و بعض المواضع من كلام
اللّه تعالى يشهد للمتأمل بأن إضافة الهداية و الإضلال إلى اللّه تعالى ليست إلا
بطريق الحقيقة و اللّه الهادي.
[7]الهدى بضم الهاء و فتح الدال: الرشاد
و الدلالة يذكر و يؤنث قال تعالى:اهْدِنَا
الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَو المعنى ارشدنا و قيل: أي قدمنا إليه و قيل: ثبتنا عليه، و قيل:
وفقنا، و قيل: ارزقنا، و كلها أقوال متقاربة قال ابن عطية: الهداية في اللغة:
الإرشاد لكنها تتصرف على وجوه يعبر عنها المفسرون بغير لفظ الإرشاد و كلها لو
تأملت رجعت إليه.