قال المبحث الأول: الهدى قد يكون لازما بمعنى الابتداء أي وجدان طريق
توصل إلى المطلوب و يقابله الضلال أي فقدان الطريق الموصل، و قد يكون متعديا بمعنى
الدلالة على الطريق الموصل و الإرشاد إليه، و يقابله الإضلال بمعنى الدلالة على
خلافه، مثل أضلني فلان عن الطريق. و قد تستعمل الهداية في معنى الدعوة كقوله
تعالىوَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ[1]و قوله تعالىوَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ[2]أي دعوناهم إلى طريق الحقفَاسْتَحَبُّوا
الْعَمى عَلَى الْهُدى[3]أي
على الاهتداء. و بمعنى الإثابة كقوله تعالى في حق المهاجرين و الأنصارسَيَهْدِيهِمْ
وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ[4]و
قيل معناه الإرشاد في الآخرة إلى طريق الجنة، و يستعمل الإضلال في معنى الإضاعة و
الإهلاك كقوله تعالىفَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ[5]و منهأَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ[6]أي هلكنا، و قد يسندان مجازا إلى الأسباب كقوله تعالىإِنَّ هذَا
الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[7]و كقوله تعالى حكايةرَبِّ
إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً[8]و
هذا كله مما ليس فيه كثير نزاع و أمّا الكلام في الآيات المشتملة على اتصاف الباري
تعالى بالهداية و الإضلال و الطبع على قلوب الكفرة و الختم و المد في طغيانهم و
نحو ذلك كقوله تعالىوَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَ يَهْدِي مَنْ
يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ[9]إِنَّكَ
لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ[10]فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ
لِلْإِسْلامِ، وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً[11]مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَ مَنْ يُضْلِلْ
فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ[12]