و اعترض بأن الكذب في الصورة المذكورة باق على قبحه إلا إذا[1]ترك إنجاء النبي أقبح منه، فيلزم ارتكاب أقل القبيحين تخلصا عن
ارتكاب الأقبح، فالواجب الحسن هو الإنجاء لا الكذب. و هذا إذا سلمنا عدم إمكان
التخليص بالتعريض و إلا ففي المعاريض مندوحة عن الكذب[2].
و الجواب: أن هذا الكذب لما تعين سببا و طريقا إلى الإنجاء الواجب
كان واجبا فكان حسنا. و أما القتال[3]و
محصله[4]الضرب حدا فأمرهما ظاهر.
الرابع:لو كان الحسن و القبح ذاتيين لزم اجتماع المتنافيين في إخبار من قال
لأكذبن غدا. لأنه إما صادق فيلزم لصدقه حسنه و لاستلزامه الكذب في الغد قبحه، و
إما كاذب فيلزم لكذبه قبحه، و لاستلزامه ترك الكذب في الغد حسنه، و قد يقرر اجتماع
المتنافيين في اخبار الغدي كاذبا، فإنه لكذبه قبيح، و لاستلزامه صدق الكلام الأول
حسن أو لأنه إما حسن فلا يكون القبح ذاتيا للكذب، و إما قبيح فيكون تركه حسنا مع
استلزامه كذب الكلام الأول و هو قبيح، و مبني الاستلزام على انحصار الأخبار الغدي
في هذا[5]الواحد. و قد يقرر بأنه إما صادق، و إما كاذب، و أيا ما كان يلزم
اجتماع الحسن و القبح فيه، و مبنى الكل على أن ملزوم الحسن حسن، و ملزوم القبيح
قبيح، و أن كل حسن أو قبح ذاتي، و يمكن تقرير الشبهة بحيث يجتمع الصدق و الكذب في
كلام واحد، فيجتمع الحسن و القبح، و ذلك إذا اعتبرنا قضية يكون مضمونها الإخبار عن
نفسها بعدم الصدق، فيتلازم فيها الصدق و الكذب، كما تقول هذا الكلام الذي أتكلم به
الآن[6]ليس بصادق، فإن صدقها يستلزم عدم صدقها
[2]الحديث رواه البخاريّ في باب الأدب
رقم 116، و المعاريض من التعريض خلاف التصريح، و مندوحة، فسحة و متسع. و أخرجه
الطبريّ في التهذيب و الطبرانيّ في الكبير و رجاله ثقات، و أخرجه ابن عدي من وجه
آخر عن قتادة مرفوعا، و أخرجه أبو بكر بن كامل في فوائده و البيهقيّ في الشعب من
طريقه.