بمثل ما مرّ في العلم و القدرة، و قد يرد هاهنا إشكالات:
الأول:أن نسبة الإرادة أيضا إلى الفعل و الترك و إلى جميع الأوقات على
السواء، إذ لو لم يجز تعلقها بالطرف الآخر، و في الوقت الآخر لزم نفس القدرة و
الاختيار، و إذا كانت على السواء فتعلقها بالفعل دون الترك، و في هذا الوقت، دون
غيره، يفتقر إلى مرجح و مخصص[1]لامتناع
وقوع الممكن بلا مرجح كما ذكرتم، و يلزم تسلسل الإرادات.
و الجواب: أنها إنما[2]تتعلق
بالمراد لذاتها من غير افتقار إلى مرجح آخر لأنها صفة شأنها التخصيص و الترجيح، و
لو للمساوي، بل المرجوح، و ليس هذا من وجود الممكن بلا موجد، و ترجيحه بلا مرجح في
شيء.
فإن قيل:مع تعلق الإرادة لا يبقى[3]التمكن
من الترك و ينتفي[4]الاختيار.
قلنا:قد مرّ[5]غير مرة أن الوجوب بالاختيار محض الاختيار.
الثاني:أن الإرادة لا تبقى بعد الإيجاد ضرورة، فيلزم زوال القديم و هو محال.
و الجواب: أنها صفة قد تتعلق بالفعل، و قد تتعلق بالترك، فيخصص ما
تعلقت به و يرجحه، و عند وقوع المراد يزول تعلقها الحادث، و بهذا يندفع ما يقال:
إنها لا تكون بدون المراد فيلزم من قدمها قدم المراد، فيلزم قدم العالم على أن قدم
المراد لا يوجب قدم العالم، لأن معناه: أن يريد اللّه تعالى في الأزل إيجاد العالم
و إحداثه في وقته، و يشكل بإيجاد الزمان، إلا أن يجعل أمرا مقدورا لا تحقق له في
الأعيان.
فإن قيل:نحن نردد في الأثر الذي هو المراد كالعالم مثلا، بأنه إما لازم
للإرادة فيلزم قدمه أو لا فيكون مع الإرادة جائز الوجود و العدم، فلا تكون الإرادة
مرجحة.
قلنا:هو جائز الوجود و العدم بالنظر إلى نفس الإرادة، و أما مع تعلقها
بالوجود،