و الجواب أنها مقدمات حدسية، حيث يحكم العقل الجازم بانتظام
السماويات بثبوتها عند إدراك الاختلافات من غير ملاحظة وسط و ترتيب، و هم معترفون
بذلك مصرحون به في أمر الخسوف[1]و
الكسوف[2]و نحوهما، و لهذا اختلفوا و ترددوا فيما لم يحكم الحدس[3]به كالمجرة و محور القمر[4]. و
أن اختلاف الشمس بالسرعة و البطء مبني على التدوير أو الخارج المركز و إن حركات
أوجات الممثلات بأنفسها أو بالفلك الثامن.
الحدسيات المشهورة عنده
[قال (كما تحدسوا) من اختلاف التشكلات نور القمر على حسب اختلاف
أوضاعه من الشمس، أنه في نفسه مظلم، يستضيء بالشمس، فعند الاجتماع يكون وجهه
المظلم إلينا، و هو المحاق، و إذا انحرف إلينا من جهة المضيء قدر ما يرى فهو
الهلال، ثم يتزايد إلى أن يبلغ الاستقبال، فيصير وجهه المضيء كله إلينا و هو
البدر، ثم ينحرف فيأخذ النور في النقصان إلى المحاق].
أورد هاهنا[5]من
الحدسيات المشهورة فيما بينهم إضاءة القمر بالشمس،
[3]الحدس الذي اصطلح عليه الفلاسفة
القدماء مأخوذ من معنى السرعة في السير. قال ابن سينا:
الحدس حركة الى إصابة الحد الأوسط إذا وضع المطلوب أو إصابة الحد
الاكبر اذا اصيب الأوسط و بالجملة سرعة الانتقال من معلوم الى مجهول. (النجاة ص
137) و قال الجرجاني في تعريفاته: الحدس هو سرعة انتقال الذهن من المبادي الى
المطالب و قال التهانوي: الحدس هو تمثل المبادي المرتبة في النفس دفعة من غير قصد
و اختيار سواء بعد طلب أولا، فيحصل المطلوب.
و الحدس عند بعض الاشراقيين: هو ارتقاء النفس الانسانية الى
المبادي العالية حتى تصبح مرآة مجلوة تحاذي شطر الحق، فتمتلئ من النور الإلهي الذي
يغشاها.