فإنه ليس ترجحا بلا مرجح، بل ترجح المختار أحد المقدورين من غير مرجح
خارج و استحالته ممنوعة كما في أكل الجائع أحد الرغيفين، و سلوك الهارب أحد
الطريقين.
فإنه قيل: لا نزاع في أن نفس الإرادة لا يكفي في وجود المراد، بل لا
بد من تعلقها، فإن كان قديما كان[1]العالم
قديما، و إن كان حادثا، كان ذلك الترجح ترجحا[2]بلا مرجح.
قلنا:لا بل ترجيحا به، فإن تعلق الإرادة مما يقع بالإرادة من غير افتقار
إلى أمر آخر، و الحاصل إنما نجعل شرط الحوادث تعلق الإرادة و تلتزم فيه التخلف عن
تمام العلة.
دليل آخر على إمكان قدم العالم و الرد عليه
[قال
(الثاني)إن كلا من إمكان العالم و صحة تأثير الواجب فيه أزلي، و إلا لزم
الانقلاب، فلو لم يكن وجوده أزليا لزم ترك الجود[3]مدة غير متناهية.
و الجواب: أنه مع كونه خطابيا مبنى على عدم التفرقة بين أزلية
الإمكان و إمكان الأزلية، و قد سبق مثله آنفا].
لما كان إمكان[4]العالم
أزليا، و كذا صحة تأثير الصانع فيه، و إيجاده إياه لزم أن
[4]الإمكان في اللغة: مصدر أمكن امكانا
كما تقول اكرم اكراما و هو أيضا مصدر امكن الشيء من ذاته.
و الامكان في الشيء عند المتقدمين هو إظهار ما في قوته الى الفعل
و ذلك انك اذا تصورت طبيعة الواجب كان طرفا و ازائه في الطرف الآخر طبيعة الممتنع
و بينهما طبيعة الممكن و المسافة التي بين الواجب و الممتنع اذا لحظت وسطها على
الصحة فهو أحق شيء و اولاه بطبيعة الممكن و كلما قربت هذه النقطة التي كانت وسطا
الى أحد الطرفين كان ممكنا بشرط و تقييد، فقيل ممكن قريب من الواجب و ممكن بعيد
عنه (أبو حيان التوحيدي و مسكويه (كتاب الهوامل و الشوامل ص 100)