الحاضر الذي لا تلتفت إليه النفس مدركا، و ليس كذلك، و منها أن
الصورة العلمية عرض قائم بالنفس و قد جعلتموها مطابقة للموجود العيني الذي ربما
يكون جوهرا، بل نفس ماهيته، و امتناع كون العرض مطابقا للجوهر، و نفس ماهيته معلوم
بالضرورة (و أيضا: جعلتموها كلية مع أن كون العرض القائم بالنفس الجزئية جزئيا
ضروري)[1]و أيضا تجعلون العلم تارة حصول الصورة، و تارة نفس الصورة مع ظهور
الفرق بينهما.
و الجواب: أن الممتنع هو كون الشيء الواحد باعتبار واحد جوهرا و
عرضا، أو كليا و جزئيا، و أما عند اختلاف الاعتبار فلا، فإن كون[2]الصورة العقلية عرضا من حيث كونها في الحال قائمة بالموضوع الذي هو
النفس لا ينافي كونها جوهرا من حيث إنها ماهية، إذا وجدت في الخارج كانت لا في
موضوع، و إنما المستحيل كون الشيء جوهرا و عرضا في الخارج بمعنى كونها ماهية إذا
وجدت في الخارج كانت في موضوع و لا في موضوع، و كذا كونها جزئية من حيث قيامها
بالنفس الجزئية لا ينافي كليتها من حيث مطابقتها للأفراد الكثيرة، بمعنى أن الحاصل
في العقل من كل منها عند التجريد[3]عن
العوارض تكون تلك[4]الصورة بعينها، ثم نسبة الحصول إلى الصورة في العقل نسبة الوجود إلى
الماهية في الخارج، فكماله ليس للماهية تحقق في الخارج، و لعارضها المسمى بالوجود
تحقق آخر، حتى يجتمعا اجتماع القابل و المقبول، كذلك ليس للصورة تحقق في العقل، و
لعارضها المسمى
[3]التجريد في اللغة: التعرية من الثياب
و التشذيب، تقول جرد الشيء قشره، و جرد الجلد نزع شعره، و جرد السيف من غمده سله،
و جرد الكتاب عراه من الضبط و الزيادات و الفواتح، و التجريد عند الفلاسفة: هو
انتزاع النفس عنصرا من عناصر الشيء، و التفاتها إليه وحده دون غيره.
و له عند علماء اللغة عدة معان، منها تجريد اللفظ الدال على المعنى
عن بعض معناه و منها عطف الخاص على العام، و منها أن ينتزع من أمر ذي صفة.