الخيال لما أن الوحدة مبدأ الكثرة، و العقل إنما يعرف المبدأ قبل ذي
المبدأ و الكثرة ترتسم صورها في الخيال، فينتزع العقل منها أمرا واحدا، فيكون تفسير
الوحدة بالكثرة عند الخيال، و تفسير الكثرة بالوحدة عند العقل تفسيرا بالأعراف لا
بالمارى في المعرفة و الجهالة.
الوحدة غير مرادفة للوجود و لا الماهية
(قال:و القطع بجواز الانفكاك في التعقل، و بأن الجمع و التفريق ليس بإعدام
يدل على مغايرتهما للماهية و الوجود[1]و
إن كانت الوحدة تساوقه[2]).
لما كانت الوحدة مساوقة للوجود بمعنى أن كل ما له وحدة فله وجود ما[3]، و كل ما له وجود فله وحدة
بوجه ما، توهم بعضهم أن الوحدة هي الوجود و هو باطل، لأن الكثير من حيث هو كثير،
موجود و ليس بواحد، فحاول التنبيه على أن كلا من الوحدة و الكثرة مغاير لكل من
الوجود و الماهية و ذلك بوجهين.
أحدهما:لنا[4]أن نتعقل ماهية الشيء و وجوده من غير أن نتعقل وحدته أو كثرته، بل
مع التردد فيه كما نقطع بوجود الصانع، ثم نثبت بالبرهان وحدته، و نقطع بوجود الفلك
و ماهيته، ثم نثبت كثرته.
و ثانيهما:أنا إذا جمعنا مياه أوان كثيرة في إناء واحد، حتى صار ماء واحدا، أو
فرقنا ماء إناء واحد في أوان كثيرة، حتى صارت مياها كثيرة، فقد زالت الوحدة و
الكثرة، مع أن الوجود و الماهية بحالهما[5]من غير زوال و تبدل
[1]يعني أن الوحدة غير مرادفة للوجود و
لا للماهية لأنا نقطع بأن تعقل الموجود و الماهية يجوز أن ينفك من تعقل الوحدة، بل
نقطع بوقوع ذلك الانفكاك لأنا نفهم و نتعقل مفهوما و ندرك وجود مصدوقه.