فلأنا كما نقطع بأن الحركة موجودة أمس و اليوم و غدا، كذلك نقطع بأن
السكون بل السماء و غيرها من الموجودات الثابتة حتى الواجب، و جميع المجردات
موجودة أمس و اليوم و غدا، و إن جاز إنكار هذا جاز إنكار ذاك، و بهذا الوجه أبطلوا
قول أبي البركات إن الباقي لا يتصور بقاؤه إلا في زمان مستمر، و ما لا يكون في
الزمان و يكون باقيا لا بد أن يكون لبقائه مقدار من الزمان فالزمان مقدار الوجود[1]، و ذلك لأن المقدار في نفسه
إن كان متغيرا استحال انطباقه على الثابت و إن كان ثابتا استحال انطباقه على[2]المتغير،و ثانيها:أن الحركة كما سيجيء تطلق على كون المتحرك متوسطا بين المبدأ و
المنتهى و هو أمر ثابت مستمر الوجود و على الأمر الممتد في المسافة من المبدأ إلى
المنتهى، و هو وهم محض لا تحقق له في الخارج لعدم تقرر أجزائه، و الحركة التي جعل
الزمان مقدارا لها إن أخذت بالمعنى الأول لزم كون الزمان قارا غير سيال و هو محال،
و إن أخذت بالمعنى الثاني لم يكن الزمان موجودا ضرورة امتناع قيام الموجود
بالمعدوم،و ثالثها:لو كان الزمان مقدار حركة الفلك لكان تصور وجودها بدونها[3]تصور محال، و اللازم باطل لأنا قاطعون بوجود أمر سيال به القبلية و
البعدية و المضي و الاستقبال و إن لم يوجد حركة و لا فلك حتى لو تصورنا مدة كان
الفلك معدوما فيها فوجد، أو ساكنا[4]فتحرك،
أو يعدم فيها الفلك أو حركته، لم يكن ذلك بمنزلة تصورنا عدم حركة الفلك حال
وجودها، و إن أمكن إنكار هذا الأمر[5]بدون
الحركة أمكن إنكاره معها من غير فرق، و بالجملة فارتفاع الزمان بارتفاع حركة الفلك
ليس بديهيا كارتفاع مقدار الشيء بارتفاعه، و لهذا لم يذهب أحد من العقلاء