قد اختلفوا في[1]أن
المعدوم هل هو ثابت و شيء أم لا؟ و في أنه هل بين الموجود و المعدوم واسطة أم لا؟
و المذاهب أربعة[2]حسب الاحتمالات الأربعة[3]أعني
إثبات الأمرين أو نفيهما، أو إثبات الأول و نفي الثاني أو بالعكس. و ذلك أنه إما
أن يكون المعدوم ثابتا أو لا. و على التقديرين إما أن يكون بين الموجود و المعدوم
واسطة أو لا. و الحق نفيهما بناء على أن الوجود يرادف الثبوت، و العدم يرادف
النفي، فكما أن النفي ليس ثابتا، فكذا المعدوم، و كما أنه لا واسطة بين الثابت و
المنفي، فكذا بين الموجود و المعدوم، و أما الشيئية فتساوق الوجود بمعنى أن كل
موجود شيء، و بالعكس، و لفظ المساوقة يستعمل عندهم فيما يعم الاتحاد في المفهوم.
فيكون اللفظان مترادفين و المساواة في الصدق فيكونان متباينين، و لهم تردد في
اتحاد مفهوم الوجود و الشيئية. بل ربما يدعي نفيه بناء على أن قولنا: السواد
موجود، يفيد فائدة يعتد بها بخلاف قولنا: السواد شيء فصار الحاصل أن كل ما يمكن
أن يعلم إن كان له تحقق في الخارج أو الذهن فموجود و ثابت و شيء و إلا فمعدوم، و
منفي و لا شيء، و أما المخالفون: فمنهم من خالف في نفي الواسطة و إليه ذهب من
أصحابنا إمام الحرمين[4]أولا،
و القاضي[5]، و من المعتزلة أبو هاشم[6]، فقالوا: المعلوم إن لم يكن
له ثبوت، أي في الخارج لأن مبنى الكلام على نفي الوجود الذهني، و إلا فالمعلوم
موجود في الذهن قطعا فهو المعدوم. و إن كان له ثبوت[7]فإن كان باستقلاله و باعتبار ذاته فهو الموجود، و إن كان باعتبار
التبعية