القيام بالأمور على ما ينبغي تحصيلا لسعادة الدارين، و قد تطابقت
الملة و الفلسفة على الاعتناء بتكميل النفوس البشرية في القوتين و تسهيل طريق
الوصول إلى الغايتين، إلا أن نظر العقل يتبع في الملة هداه و في الفلسفة هواه، و
كما دونت حكماء الفلاسفة الحكمة النظرية و العلمية إعانة للعامة على تحصيل
الكمالات المتعلقة بالقوتين دونت عظماء الملة و علماء الأمة علم الكلام، و علم
الشرائع و الأحكام، فوقع الكلام للملة[1] بإزاء الحكمة النظرية للفلسفة و هي عندهم تنقسم إلى العلم المتعلق[2] بأمور تستغني عن المادة في الورود و
التصور جميعا، و هو الإلهي أو في التصور فقط و هو الرياضي، أو لا تستغني أصلا و هي
الطبيعي و لكل منها أقسام و فروع كثيرة، إلا أن المقدم في الاعتبار بشهادة العقل و
النقل هو معرفة المبدأ و المعاد المشار إليهما بالإيمان باللّه تعالى و اليوم
الآخر، و طريق الوصول إليها هو النظر في الممكنات[3] من الجواهر و الأعراض على ما يرشد إليه[4] مواضع من كتاب اللّه تعالى و ما أحسن ما أشار أمير المؤمنين علي كرم
اللّه وجهه إلى أن المعتبر من كمال القوة العملية ما به نظام المعاش، و نجاة
المعاد. و من النظرية العلم بالمبدإ و المعاد و ما بينهما من جهة النظر و الاعتبار
حيث قال:
«رحم اللّه امرأ أخذ
لنفسه، و استعد لرمسه، و علم من أين و في أين و إلى أين؟»
[1] الملة كالدين: و هيما شرع اللّه للعباد على لسان المرسلين ليتوصلوا به إلى جوار اللّه، و الفرق بينهاو بين الدين، أن الملة لا تضاف إلا إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم الذي تستندإليه، نحو فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَو لا تكاد توجد مضافة إلى لفظ اللّه تعالى، و لا إلى آحاد أمة النبي صلّى اللّهعليه و سلم و لا تستعمل إلا في جملة الشرائع دون آحادها، لا يقال ملة اللّه و لاملتي و لا ملة زيد، كما يقال دين اللّه و ديني، و دين زيد، و لا يقال للصلاة ملةاللّه. كما يقال دين اللّه.
[2] سقط من (أ) كلمة(بأمور).
[3] يطلق النظر علىمعان، فيراد به الرؤية و الإحسان و الرحمة، و نظر القلب، و هو المقصود هنا لأنهيقوم على التفكير الذي يكشف عن الحقيقة و قد دعا اللّه إليهأَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ فِي الْأَرْضِآياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ. و هو واجب عند المسلمين جميعا و يعول عليه المعتزلة كل التعويل،لأن العقل قبل السمع. و كان الناس قبل ورود الشرائع يحتكمون إلى عقولهم فيحسنون ويقبحون، و ما دام النظر واجبا فالتقليد فاسد، و يؤدي إلى جحد الضرورة. (راجع المغني للقاضيعبد الجبار ص د، ه و المقدمة ج 12).
[4] في (ب) على ما يرشدمواضع إليه.