أن عقاب من يقبح عقابه
قبيح. و من ترك مثل هذا القبيح، لا يقال: انه عفا. فان الانسان اذا لم يظلم أحدا،
لا يقال: انه عفا عنه. أما اذا كان له أن يعذبه، فترك تعذيبه، يقال:
انه عفا عنه، و لهذا قال
تعالى: «وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى»
(البقرة 237) و الثانى: انه تعالى قال: «وَ هُوَ
الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ» (الشورى 25) فلو كان العفو عبارة عن اسقاط العقاب عن التائب، لكان
فى هذا تكرير من غير فائدة. فعلمنا: أن العفو عبارة عن اسقاط العقاب عمن يحسن
عقابه.
فان قيل: لم لا يجوز أن
يكون العفو عبارة عن عدم ايصال العقاب إليه فى الدنيا و تأخيره الى الآخرة؟ قلنا:
لأن الجزاءات مؤخرة الى الآخرة. قال تعالى: «الْيَوْمَ
تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ» (غافر 17) و اذا عرفنا أن
الجزاءات مؤخرة الى الآخرة، لم يكن تأخيرها الى الآخرة عفوا.
و أيضا: لو كان هذا القدر
مسمى بالعفو، لوجب أن يقال: عفو الله عن الكفار أكثر من عفوه عن المسلمين. لأن
حصول المرادات لهم و دفع المكاره عنهم- أعنى الكفار- فى الدنيا أكثر. قال تعالى:
«وَ لَوْ لا أَنْ
يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً، لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ،
لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ» (الزخرف 33) و قال عليه
السلام: «خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل»
الحجة الثانية:
الآيات الدالة على كونه
تعالى غافر و غفورا و غفارا. قال تعالى: «غافِرِ
الذَّنْبِ» (غافر 3) «وَ رَبُّكَ الْغَفُورُ»