فإنهم
قسموا المعصية إلى ما يكفر المكلف بها، و إلى ما يخرجه عن الإيمان من غير اتصاف بكفر؛
بل بالفسق، و إلى ما لا يخرجه عن الإيمان، و لا يستوجب فاعلها مع تجنب الكبائر سمه
الفسق.
و
أما أصحابنا فإنهم قالوا:
من
ارتكب كبيرة من أهل الصلاة، أو داوم على صغيرة؛ فهو مؤمن، و ليس بكافر؛ بل فاسق. و
من فعل صغيرة واحدة؛ فهو عاص؛ و ليس بفاسق.
و
إذ أتينا على شرح المذاهب بالتفصيل؛ فلا بد من إبطال مذاهب المخالفين.
أما
الرد على المرجئة:
فى
قولهم: إنّ مرتكب الكبيرة ليس بفاسق: فهو أنّ ما ذكروه على خلاف إجماع الأمة من السّلف،
و الخلف على تسمية مرتكب الكبيرة فاسقا، و اتفاقهم على المنع من قبول شهادته و اخباره/
كيف و أنّ الفسق لا معنى له غير الخروج [11]// عن الطّاعة و منه قوله تعالى: فَفَسَقَ
عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [2]: أى خرج عن طاعة أمره. و مرتكب الكبيرة خارج عن الطاعة، و
سواء كان ذلك بترك واجب، أو فعل محظور.
قولهم:
إن الإيمان بالله- تعالى- يمحص كل ذم و لائمة؛ فهو باطل بما سبق فى القاعدة السادسة
[3].
قولهم:
إنّ من صحّ إيمانه لا يصحّ عليه الرّدة؛ ليس كذلك. و دليله العقل و النص، و الإجماع.
أما
العقل:
فهو
أنه لا يلزم من فرض ردة المؤمن محال فى ذاته، و نفسه؛ و لا معنى لصحة الرّدّة إلا هذا.
[1]
قال القاضى عبد الجبار: موضحا رأى المعتزلة فى هذه المسألة: «صاحب الكبيرة له اسم بين
الاسمين، و حكم بين الحكمين. لا يكون اسمه اسم الكافر، و لا اسمه اسم المؤمن و إنما
يسمى فاسقا.
و
كذلك فلا يكون حكمه، حكم الكافر، و لا حكم المؤمن؛ بل يفرد له حكم ثالث، و هذا الحكم
الّذي ذكرناه هو سبب تلقيب المسألة بالمنزلة بين المنزلتين. فإنّ صاحب الكبيرة له منزلة
تتجاذبها هاتان المنزلتان؛ فليست منزلته منزلة الكافر، و لا منزلة المؤمن؛ بل له منزلة
بينهما».
(شرح
الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص 697).
و
انظر آراء فرق المعتزلة بالتفصيل فى الفصل الرابع من هذه القاعدة ل 244/ أ و ما بعدها. [11]//
أول ل 138/ أ. [2]
سورة الكهف 18/ 50. [3]
راجع ما مر ل 268/ ب و ما بعدها. (القاعدة السادسة- الفصل الثالث: فى أحكام الثواب
و العقاب).
نام کتاب : أبكار الأفكار في أصول الدين نویسنده : الآمدي، سيف الدين جلد : 5 صفحه : 30