و
وجه الاحتجاج من ذلك: أن المفسرين بأجمعهم رووا أن داود كان يوما فى محرابه؛ فرأى قرينيه،
فراعه ذلك، فقال: من أنتما، فقالا له: نحن قريناك اللذان يحفظانك من أن تعصى، أو تخطىء،
فقال لهما فخليانى: و جربا؛ ففعلا.
فقال
أما اليوم فلا يدخل على أحد، و لا أخرج إلى أحد، و لا أبرح أصلي، و أقرأ إلى الليل.
فبينما هو كذلك إذ نظر إلى كوة؛ فرأى طائرا أحسن شيء يكون بعضه ذهبا، و بعضه من ياقوت؛
فأعجبه، ثم أعرض عنه؛ فوقع الطائر فى البيت. فقال داود فى
[1]
داود عليه السلام: هو نبى الله (داود بن ايشا بن عويد ... من نسل يهوذا بن يعقوب بن
إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، و قد ذكر نسبه فى التوراة و الإنجيل مفصلا. و هو عليه
السلام- أحد الرسل الذين نزلت عليهم الكتب السماوية بعد موسى عليه السلام، و أعطاه
الله الزبور كما قال تعالى: وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ
وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً.
و
قد ورد اسم داود عليه السلام- فى القرآن الكريم فى ستة عشر موضعا فى [البقرة، و النساء،
و المائدة، و الأنعام، و الإسراء، و الأنبياء، و النمل، و سبأ، و سورة ص] و قد جمع
الله- تعالى- له بين النبوة و الملك؛ فكان نبيا ملكا كما كان ولده سليمان عليه السلام.
و
خصه بمزايا منها تسخير الجبال للتسبيح إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ
بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ
و
منها: إلانة الحديد له: وَ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ و منها: صناعة الدروع لدرء خطر
الحرب وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ. و منها:
تقوية ملكه وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ.
و
منها: آتاه الله الحكمة و فصل الخطاب وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ.
و
مع كل هذا المزايا الفريدة و الصفات الجليلة نرى اليهود فى كتبهم المصنوعة المحرفة
يصورونه عليه السلام بصورة غير لائقة بالبشر العادى فضلا عن الرسول الكريم فهو يأخذ
امرأة أوريا لنفسه من غير حياء و يرسل زوجها إلى الصف الأول فى ميدان القتال ليتخلص
منه. أحداث موغلة فى القسوة و بعيدة عن العفة (انظر الكتاب المقدس صموئيل الثانى: الاصحاح
الحادى عشر، و الاصحاح الثالث عشر).
بينما
يصور القرآن الكريم هذه المسألة بصورة تبعد الأنبياء عن الكبائر، و لم يرها إلا هفوة
استحقت نوعا من العتاب و التعليم من الله لنبيه و مصطفاه. كما ورد فى الآية التالية
من سورة (ص).
و
من الغريب أن بعض علماء المسلمين وقعوا فى خطأ عظيم بذكر هذه الإسرائيليات فى مصنفاتهم
على أنها من قصص القرآن الكريم.
و
قد عاش داود عليه السلام سبعا و سبعين سنة ثم توفاه الله و أوصى بالملك من بعده لابنه
سليمان عليه السلام.
[قصص
الأنبياء لابن كثير ص 480- 494. و النبوة و الأنبياء للصابونى ص 273- 281. و اليهودية
للدكتور أحمد شلبى ص 145، 146، ص 172- 175]. [2]
سورة ص 38/ 21- 24. و لمزيد من البحث و الدراسة بالإضافة لما أورده الآمدي. انظر: تفسير
الكشاف للزمخشرى 3/ 365- 371.
و
تفسير الرازى 26/ 188- 198. و تفسير القرطبى 8/ 5608- 5631.
و
مختصر تفسير ابن كثير 3/ 200، 201.
و
شرح المواقف للجرجانى- الموقف السادس ص 146- 148.
و
شرح المقاصد للتفتازانى 3/ 313، 314.
نام کتاب : أبكار الأفكار في أصول الدين نویسنده : الآمدي، سيف الدين جلد : 4 صفحه : 186