فإن قالوا: لأنا وجدنا النور طالبا للخلاص من الظلمة صاعدا عنها، و لو كان امتزاجهما أزليا؛ لما كان طالبا لترك الأزلى.
قلنا: لو لم يكن الامتزاج أزليا: كان التباين أزليا. و كما جاز عليه طلب ترك التباين الأزلى؛ جاز عليه طلب ترك الامتزاج بتقدير كونه أزليا.
و إن سلمنا وقوع الامتزاج: و لكن لا نسلم امتناع صدور الشر عن النور، و الخير عن الظلمة؛ و بيانه من أربعة أوجه.
الأول: أن الظلمة قد تستر الهارب عن ظالم يقصد قتله؛ و هو خير. و النور يدل عليه؛ و هو شر.
الثانى/: أن الظلمة تجمع البصر؛ و هو خير. و النور يفرقه؛ و هو شر.
الثالث: هو أن الظلمة تعين على النوم، و الراحة به؛ و هو خير. و النور بالضد.
الرابع: هو أن النور قد [يلازمه] [1] الحر المحرق؛ و هو شر؛ بخلاف الظلمة.
و على هذا: فلا يخفى الكلام على الكينونية أيضا.
و أما الرد على المجوس: القائلين بقدم النور، و أنه أصل وجود العالم أن يقال:
القول بقدم النور: إنما يصح أن لو كان قائما بنفسه. و ليس صفة عارضة لغيره؛ و ليس كذلك؛ على ما سلف فى الرد على الثنوية [2].
و إن سلمنا أن النور قائم بنفسه: فإما أن يكون واجبا، أو ممكنا.
فإن كان ممكنا: فلا بد له من مرجح، لوجوده على عدمه، و يلزم من ذلك أن لا يكون قديما؛ لما يأتى.
و إن كان قديما: فلا يكون هو الأصل الأول فى وجود العالم؛ بل (مرجح) [3].
و إن كان واجبا لذاته: فإما أن يكون مشاركا لباقى الأنوار فى المعنى، أو مخالفا لها.
[1] فى أ (لا يلازمه). [2] انظر ل 226/ ب و ما بعدها. [3] فى أ (مرجحه).