الثاني:
أنّ المقبولة دلت على وجوب الأخذ بما يقوله أورع الحكمين وأصدقهما في
الحديث، ومن الظاهر أنّ الترجيح بهما يختص بباب القضاء.
ومما ذكرناه يظهر الحال في الاستدلال بما روي عن مولانا أمير المؤمنين
(عليه أفضل الصلاة والسلام) في عهده الطويل إلى مالك الأشتر من قوله (عليه
السلام): «اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك»{1}
ونهيه (عليه السلام) عن إيكال القضاء إلى أحد مع وجود الأفضل منه في
البلد، فانّ مورده الحكم لا الافتاء كما هو ظاهر، ولا سيّما مع ملاحظة أنّ
الافتاء موكول إلى أفضل الجميع كما تقدّم، لا إلى أفضل الرعية وأهل البلد.
وكذا الحال في الاستدلال بالروايات{2} الدالة على ذم من يحكم مع العلم بوجود من هو أعلم منه، فانّها أيضاً واردة في الحكومة دون الفتوى. ومنها: أنّ فتوى الأعلم أقرب إلى الواقع من فتوى غيره، فيجب الأخذ به.
وفيه: منع الصغرى والكبرى. أمّا الصغرى: فلمنع كون فتوى الأعلم أقرب إلى
الواقع من فتوى غيره دائماً، بل ربّما تكون فتوى غيره أقرب إلى الواقع من
فتوى الأعلم، كما إذا كان فتوى غير الأعلم مطابقاً للمشهور، أو مطابقاً
لفتوى ميت كان أعلم من الأفضل الحي. وأمّا الكبرى: فلأ نّه لم يدل دليل على
تعين الأخذ بما هو أقرب، إذ ليس مناط الحجية هو الأقربية، ولذا لو وقع
التعارض بين البينتين وكانت إحداهما أقرب إلى الواقع من الاُخرى، لا يمكن
القول بوجوب الأخذ بالأقرب وطرح الاُخرى .