فقد
ذكروا في الجواب عنه وجوهاً: أظهرها أنّ المؤذّن لم يقل: أيّتها العير
إنّكم لسرقتم صواع الملك، بل قال: إنّكم لسارقون. ولعلّ مراده أنّكم سرقتم
يوسف من أبيه، ألا ترى أنّهم لمّا سألوا: ماذا تفقدون؟ قالوا لهم: نفقد
صواع الملك، ولم يقولوا: سرقتم ذلك.
ويؤيّده ما في خبر الاحتجاج المتقدّم عن الصادق (عليه السلام) من قوله: «إنّهم سرقوا يوسف من أبيه، ألا ترى» إلخ. مسوغات الكذبجواز الكذب لدفع الضرورة
قوله: فاعلم أنّه يسوغ الكذب لوجهين، أحدهما: الضرورة إليه، فيسوغ معها بالأدلّة الأربعة.
أقول: لا شبهة في كون الكذب حراماً في نفسه ومبغوضاً بعينه، لظاهر الأدلّة
المتقدّمة المطبقة على حرمته. وعلى هذا فلا وجه لما زعمه الغزالي من أنّ
الكذب ليس حراماً لعينه، بل لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره،
فإنّ أقلّ درجاته أن يعتقد المخبر الشيء على خلاف ما هو عليه فيكون جاهلا،
وقد يتعلّق به ضرر غيره[1].
نعم الظاهر أنّ حرمة الكذب ليست ذاتية كحرمة الظلم، ولذا يختلف حكمه
بالوجوه والاعتبارات، وعليه فإذا توقّف الواجب على الكذب وانحصرت به
المقدّمة وقعت المزاحمة بين حرمة الكذب وبين ذلك الواجب في مقام الامتثال
وجرت عليهما أحكام المتزاحمين. مثلا إذا توقّف إنجاء المؤمن ودفع الهلكة
عنه على
[1] راجع إحياء العلوم 3: 137 / بيان ما رخّص فيه من الكذب.