و كأنّه يظهر منها أنّ في الحنطة خصوصيّة يكتفى فيها بنصف الصاع.
هذا، و لو كنّا نحن و هذه الروايات من غير قرينة خارجيّة لأمكن الجمع بالحمل على الأفضليّة و أنّ الواجب في الحنطة نصف الصاع و أفضله الصاع الكامل و إن كان وارداً في مقام التحديد، نظير ما ورد في بعض الكفّارات، حيث ورد تارةً أنّها مدّ و أُخرى أنّها مدّان، فجمع بينهما بالحمل على الاستحباب.
و لكن بالقرينة الخارجيّة علمنا أنّ نصوص النصف خرجت مخرج التقيّة، و هي الروايات الكثيرة المعتبرة المتضمّنة أنّ هذه الاحدوثة من فعل عثمان و هو الذي بدّل و غيّر، و تبعه على ذلك معاوية بعد أن عاد الحقّ إلى مقرّه في زمن خلافة مولانا أمير المؤمنين صلوات اللَّه و سلامه عليه و على أولاده الطاهرين، و من ثمّ نُسب ذلك في الأخبار تارةً إلى عثمان و أُخرى إلى طاغوت عصره معاوية، باعتبار أنّه جدّد ما أحدثه عثمان بعد عود الحقّ إلى مقرّه، و إليك بعضها:
فمنها: صحيحة معاوية بن وهب، قال: سمعتُ أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول في الفطرة: «جرت السنّة بصاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، فلمّا كان زمن عثمان و كثرت الحنطة قدّمه الناس فقال: نصف صاع من برّ بصاع من شعير» {1}.
و منها: معتبرة ياسر القمّي خادم الرضا (عليه السلام) الذي هو موثّق عندنا، لوجوده في إسناد تفسير علي بن إبراهيم عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «قال: الفطرة صاع من حنطة، و صاع من شعير، و صاع من تمر، و صاع من زبيب، و إنّما خفّف الحنطة معاوية» {2}، و نحوها رواية الحذّاء المتضمّنة