الآخر أعني الاكتفاء بمطلق الغير تجري القاعدة حينئذ. كما لا سبيل إلى القول الأخير المبني على التمسك
بإطلاق قوله(عليه السلام)في ذيل صحيحة زرارة: «يا زرارة إذا خرجت من شيء
ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء»{1}الذي
هو بمنزلة إعطاء ضابط كلي، إذ فيه: أنّ الأمثلة المذكورة في الصحيحة من
الشك في التكبيرة وهو في القراءة، وفيها وهو في الركوع، وفيه وهو في السجود
كلها من قبيل الشك بعد الدخول في الجزء الوجوبي، فلا ينعقد الإطلاق لذاك
الضابط بحيث يعمّ الجزء الاستحبابي، إذ من الجائز أن تكون هذه قرينة على
اختصاص الضابط بموارد الجزء الوجوبي فيكون من احتفاف الكلام بما يصلح
للقرينة الموجب للإجمال، إذ معه لم يحرز كونه(عليه السلام)في مقام البيان
من جميع الجهات كي ينعقد الإطلاق.
هذا، مع أنّا أشرنا في بعض المباحث السابقة إلى التنافي بين الجزئية
والاستحباب، إذ مقتضى الأوّل دخل شيء في الماهية وتقوّمها به المستلزم
لانتفائها بانتفائه، فكيف يجتمع ذلك مع الثاني الراجع إلى جواز الترك وعدم
الدخل، فما يتراءى من الأجزاء المستحبّة مرجعها إلى استحباب شيء ظرفه
الواجب. وعليه فعدم جريان القاعدة حينئذ أظهر، لعدم ترتبٍ بين المستحب
والمشكوك فيه بوجه. و من جميع ما ذكرناه تعرف: أنّ المتعيّن إنّما هو
القول الثاني، أعني اختصاص الغير بالجزء الوجوبي، فلا يكفي الدخول في
المستحب، بل الشك معه من الشك في المحل، ويزيده وضوحاً أنّه لا شك في عدم
جريان قاعدة التجاوز لو رأى نفسه في التعقيب وشكّ في أنّه هل صلّى أو دخل
في التعقيب ابتداءً، مع أنّه مستحب مترتب على الصلاة، فلو كان مطلق الدخول
في الغير
{1}الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.