وقال شيخنا أبو عليّ : لا يُقبل في الرواية إلاّ رواية اثنين ، كالشهادة ، فخالفه المتكلّمون والفقهاء كلّهم ، واحتجّوا بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده : ( نحن معاشرَ الأنبياء لا نُورَث ) ، حتّى إنّ بعض أصحاب أبي عليّ تكلّف لذلك جواباً ، فقال : قد رُوي أنّ أبا بكر يوم حاجّ فاطمـة قال : أنشُـدُ الله امـرَأً سمع من رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا شـيئاً ؟
فروى مالك بن أوس بن الحدثان أنّه سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " !
وأمّا اسـتدلال الخصم لعدم تفـرّد أبي بكر بقول عمر بمحضر عليّ والعبّـاس وغيرهما ، فهو ممّـا رواه البخاري[1] من طرق ، ومسلم[2] ، والألفاظ متقاربة ، وهو من الكذب الصريح ; لأُمـور :
الأوّل : إنّه يصرّح بأنّ عمر ناشد القوم ـ ومن جملتهم عثمان ـ ، فشهدوا بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : " لا نُورَث " ، وهو مناف لِما رواه البخاري[3] عن عائشة ، أنّها قالت : " أرسل أزواجُ النبيّ عثمانَ إلى أبي بكر يسألنه ثُمنهنَّ ممّا أفاء الله على رسوله ، فكنت أنا أردّهُنّ " . . الحديث .
فإنّه يقتضي أن يكون عثمان جاهلا بذلك ، وإلاّ لامتنع أن يكون رسولا لهنّ إلاّ أن يظـنّ القومُ فيه السوء !
الثاني : إنّه لو كان القوم الّذين ناشدهم عمر عالمين بما رواه أبو بكر ، لَما تفـرّد أبو بكر بروايته عند منازعة فاطمـة (عليها السلام) له .
[1] في أوائل كتاب النفقات [7 / 112 ـ 114 ح 93] ، وفي باب فرض الخمس من كتاب الجهاد [4 / 178 ـ 181 ح 3] ، وفي باب حديث بني النضير من كتاب المغازي [5 / 206 ـ 207 ح 78] . منـه (قدس سره) .
[2] في باب حكم الفيء من كتاب الجهاد [5 / 151 ـ 153] . منـه (قدس سره) .
[3] في أثر حديث بني النضير [5 / 208 ذ ح 78] . منـه (قدس سره) .