فإنّ هذا في الحقيقة تسليم لجهل عمر ـ أوّلا ـ بالأُمور الواضحة المخالفة للكـتاب والسُـنّة ، وهو المطلوب .
ولا أدري كيف يكون مجتهداً مَن يجهل صريح القرآن ولا يعرفه إلاّ بتذكير بعض جهّـال الرعـيّـة وعصـاة البريّـة ؟ !
ثمّ إنّ قول قاضي القضاة : " ولحقه الخجل ; لأنّه لم يصادف الأمر على ما قيل له " ، خلاف المرويّ من الواقعة ، فإنّهم رووا أنّه تسوّر فصادف ما صادف ابتداءً من دون أن يسـبق له من أحد قول بذلك .
فقد ذكر الغزّالي في " إحياء العلوم "[2] ، أنّ عمر سمع وهو يعسُّ بالمدينة صوت رجل يتغنّى في بيته ، فوجد عنده امرأة وعنده خمر ، فقال : يا عدوَّ الله ! أظننت أنّ الله يسـترك وأنت على معصيته ؟ !
فقال : إن كنتُ ـ أنا ـ عصيتُ الله في واحدة ، فقد عصيتَه أنت في ثلاث ; قال الله تعالى : { ولا تَجسّـسـوا}[3] وقد تجسّـسـت .
[1] هـذا ، ونضيف على ما أفاد به الشـيخ المظـفّر (قدس سره) ، أنّـه خبر واحد لا يعارض تلك الكـثرة الواردة في الصحيحين وغيرهما ; ولو تنـزّلنا وقلنا بصحّـته وبجواز العمل بخبر الواحد طبقاً لمبانيـهم ، فإنّ رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معصومٌ وأَوْلى بالمؤمنين من أنفسـهم ، وخفاء الحكمة ـ في أفعاله (قدس سره) ـ على العباد ليـسـت مبرّراً لإنكارها ، فليـس في أمره بكسر القدور إتلاف لمال الغير ، وليـس ذلك لأحد إلاّ لمن ثبتت خلافته عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فـتـأمّـل !
[2] ص 173 من الجزء الثاني ، المطبوع بهامشه كتاب " عوارف المعارف " [2 / 296 كـتاب آداب الأُلفة] . منـه (قدس سره) .