الأشجان في بني هاشم.. وهدأ منهم نشيج الزفرات ونزيف العبرات.. فصارت المآتم منهم وفيهم تقام في السنة مرة بعدما كانت مستمرة..
ففي ذلك العهد ـ عهد السلف الصالح ـ يحدثنا التاريخ الإسلامي عن أعلام أهل البيت النبوي، أنهم كانوايستشعرون الحزن كلما هلّ هلال محرم... وتفد عليهم وفود من شعراء العرب[1] لتجديد ذكرى الحسين (عليه السلام) لدى أبنائه الأماجد..
1) وذكر السيد الأمين في كتابه المجالس السنية ج1 فقال:
قال الإمام الصادق لأبي عمارة المنشد يا أبا عمارة أنشدني في الحسين بن علي قال فأنشدته فبكى ثم أنشدته فبكى ومازلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار فقال: يا أبا عمارة من أنشد شعراً في الحسين بن علي (عليهما السلام) فأبكى فله الجنة..
ودخل جعفر بن عفان على الصادق (عليه السلام) فقربه وأدناه ثم قال يا جعفر بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين (عليه السلام) وتجيد فقال نعم جعلني الله فداك.. قال: قل: فأنشده:
ليبكِ على الإسلام من كان باكياً
فقد ضيّعت أحكامه واستحلت
غداة حين للرماح دريئة
وقد نهلت منه السيوف وعلت
وغودر في الصحراء لحماً مبددا
عليه عتاق الطير باتت وظلت
فما نصرته أمة السوء إذ دعا
لقد طاشت الأحلام منها وضلت
ألا بل محوا أنوارهم بأكفهم
فلا سلمت تلك الأكف وشلت
وناداهم جهدا بحق محمّد
فإنّ ابنه من نفسه حيث حلت
فما حفظوا قرب النبي ولا رعوا
وزلت بهم أقدامهم واستزلت
أذاقته حر القتل أمة جدّه
هفت نعلها في كربلاء وزلت
فلا قدس الرحمن أمة جدّه
وإن هي صامت للإله وصلت
كما فجعت بنت النبي بنسلها
وكانوا كماة الحرب حين استقلت
فبكى الإمام الصادق ومن حوله حتى انتشرت الدموع على وجهه ولحيته ثم قال: يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقربين ها هنا يسمعون قولك في الحسين (عليه السلام) ولقد بكوا كما بكينا وأكثر ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعتك هذه الجنّة.. وغفر لك.. يا جعفر ألا أزيدك.. قال نعم يا سيدي... قال ما من أحد قال في الحسين (عليه السلام) شعراً فبكى وأبكى به إلاّ أوجب الله له الجنة وغفر له...