مسحة شرف من قريش ونسبة الى الحرمين، فسرّحه لمقابلة الإمام خداعاً واستطماعاً ـ وأكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع ـ.
أما ابن سعد فقد استمهل ابن زياد ليلته ليفكر مستعظماً إقدامه على مقابلة الحسين (عليه السلام) لعلمه أنّ الحسين داعية حق، وأنه كأبيه علي (عليه السلام) أفضل من أن يخدع وأعقل من أن ينخدع ولا يسع ابن سعد إذا قابله أن يقاتله، بل يقضي عليه واجبه الدنيي والرحمي أن ينضم إليه ويقاتل خصومه بين يديه. غير أنّ له في ملك الري قرة عين، وبهجة نفس، وراحة عائلة، وتأمين مستقبل مديد فبات قلقاً أرقاً بين جاذب ودافع، يجيل فكرته بين المضار والمنافع، ويردد أبياته المعروفة:
فوالله ما أدريوإني لحائر
أفكر في أمري على خطرين
أأترك ملك الري والري منيتي
أم ارجع مأثوماً بقتل حسين
حسين ابن عمي والحوادث جمة
لعمري ولي في الري قرّة عين
إنّ إله العرش يغفر زلتي
ولو كنت فيها أظلم الثقلين
ألا إنّما الدنيا بخير معجل
وما عاقل باع الوجود بدين
يقولون إنّ الله خالق جنة
ونار وتعذيب وغل يدين
فإن صدقوا فيما يقولون إنّني
أتوب الى الرحمن من سنتين
وإن كذبوا فزنا بدنياً عظيمة
وملك عقيم دائم الحجلين
وكأنّ خاطره الأخير حدثه بأنّه: ان أُظهر على الحسين (عليه السلام) فبها، وإلاّ فحسين الفتوّة أكرم من أن يعاقبه أو ينتقم منه.
وبالجملة: فلم يشعر بنفسه إلاّ قائداً جيشاً كثيفاً الى حرب الحسين (عليه السلام) في نينوى، إذ بها يلتقي الخط العراقي الإيراني بالخط العراقي الحجازي وهي المرحلة المشرفة على نقطة الأنبار، فبلغه نزول الحسين (عليه السلام) بكربلاء قبله بيوم مع قائد المفرزة الحر الرياحي.