ممّا أنت لاقيه ، فوالله
ما برحت تقدم باطلاً في جور ، وحنقاً في ظلم ، حتى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين
الموت إلاّ غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود ولات حين مناص ، ورأيتك عرّضت
بنا هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تراثنا ، ولقد لعمر الله أورثنا الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم ولادة ، وجئتَ لنا بها ما حججتم به القائم عند موت الرسول
فاذعن للحجة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النَصَف ، فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل
، وقلتم كان ويكون ، حتى أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك
فاعتبروا يا أولي الأبصار ، وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وتأميره له ، وقد كان ذلك ، ولعمرو بن العاص فضيلة بصحبة الرسول وبيعته
له ، وما صار لعمرو يومئذ حتى أنف القوم أمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدّوا عليه
أفعاله ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم
بعد اليوم غيري ) ، فكيف يحتج بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحوال وأولاها
بالمجمع عليه من الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعاً ، وحولك من يؤمن في صحبته ، ويعتمد
في دينه وقرابته ، وتتخطاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بها
الباقي في دنياه وتشقى بها في آخرتك ، وإنّ هذا لهو الخسران المبين وأستغفر الله
لي ولكم ).
قال : نظر معاوية إلى ابن عباس ، فقال :
ما هذا يا بن عباس ولما عندك أدهى وأمرّ.