مؤلفيها بتغييب
حقائق في عياباتهم وتحت عياباتهم ، بل وطمس بعضهم معالمها في غيابات أحقادهم ، إرضاءاً
لأسيادهم ، وقليل منهم من نعذره لزعمه الخوف من هياج العامّة عليه ، فإن صح زعمه
فلا تجريم ولا تأثيم ، ولكن هلمّ الخطب فيمن ارتكب جريمة الكتمان لغلبة هواه ، فهو
قد باء بإثم عظيم.
وكشواهد على تغييب الحقائق بين العيابات
والغيابات ، نقرأ اعترافات أصحاب المراجع الأساس في تسجيل الحديث والأحداث ، وهي
اعترافات خطيرة لم يسلم منها حتى أئمة الحديث كمالك وأحمد والبخاري ومسلم وغيرهم ،
وكذلك مدونوا السيرة كالواقدي وابن إسحاق وابن سعد وابن هشام ومن تابعهم ، وعطفاً
عليهم رموز المؤرخين ورواد التاريخ كالبلاذري والطبري والمسعودي وابن الأثير وابن
خلدون ، وتذييلاً لهم نذكر أبا الفرج الاصفهاني ، وكم لهؤلاء من نظير.
وقد جمعت في قصاصات وعلى الهوامش جملة
من ( فوات المؤلفين وهفوات المحققين ) قدراً لا يستهان به من جنايات الأقلام ، واللافت
للنظر أنّ أكثرها فيما يتعلق بأيام عثمان ، ممّا يكشف عن هيمنة الإعلام السلطوي
الأموي على الرواة ، فأخذوا عنهم مدونوا الأحداث ، ودوره في تغييب بعض الحقائق ، حتى
شبّ عليه الصغير وشاب عليه الكبير ، وتشرّبته أذهان العامة بأكاذيب بقيت تعيش على
أنّها هي الحقائق دون غيرها ، حتى بعد إنقضاء أيام بني أمية وتولي بني العباس
حكومة المسلمين ، بدلالة أنّ كلّ من ذكرنا أسماءهم عاشوا في أيام العباسيين وإن
أدرك بعضهم كمالك وابن إسحاق آخر أيام الأمويين.