فكان ذوو ألويات يحرصون على رفعها، لكونها معقد الجيش، وبها يتمّ نظامهم، وتتطامن نفوسهم، ولم ينكسر الجيش إلاّ بقتل صاحب الراية وسقوطها.
ومن هنا نعرف مكانة أبي الفضل من البسالة، وموقفه من الشهامة، ومحلّه من الشرف، ومبوءه من الدّين، ومنزلته من الغيرة، ومرتقاه من السؤدد، يوم عبّأ الحسين أصحابه، فأعطى رايته أخاه " العبّاس "، مع أنّ للعبّاس أُخوة من أُمّه وأبيه، وهناك من أولاد أبيه من لا يسلم اللواء، كما أنّ في الأصحاب من هو أكبر سنّاً منه، مع صدق المفادات، ولكن سيّد الشهداء وجد أخاه أبا الفضل أكفى ممّن معه لحملها، وحفظهم لذمامه، وأرأفهم به، وإدعاهم، إلى مبدئه، وأوصلهم لرحمه، وأحماهم لجواره، وأثبتهم للطعان، وأربطهم جأشاً، وأشدّهم مراساً.
فكان " صاحب الراية " عند معتقد أخيه الإمام ثابت الجأش في ذلك الموقف الرهيب ثبات الأسد الخادر، وهذا بيان مطرد تلهج به الألسن، وإلاّ فما موقف الأسد منه! ومن أين له طمأنينة هذا البطل المغوار الثابت فيما يفر عنه الضرغام.
ولولا احتقار الأسد شبّهتها به
ولكنّها معدودة في البهائم
نعم، أنسب تشبيه يليق بمقامه أنّه كان يصول ومعه صولة أبيه المرتضى.
وللعبّاس مزيّة على من حمل اللواء، وبارز الأبطال، وتقدّم للطعان، فإنّه (عليه السلام) قد ألمّت به الكوارث والمحن من نواحي متعدّدة: من جروح، وعطش، وفئة صرعى، وحرائر ولهى، وأطفال أمضّ