الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنّة، فإنّ الجنّة فيها رضى نفسي والجامع فيه رضى ربي.
أفلا تنظروا إلى ما وصفه ضرار بن ضمرة الليثي من مقاماته عليه السلام حيث[1] دخل على معاوية فقال له: صف لي عليّاً، فقال: أولا تعفيني من ذلك؟ فقال: لا أعفيك، فقال: كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق[2] الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته.
كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلّب كفّه، ويحاسب[3] نفسه، ويناجي ربّه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، كان والله فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكنّا مع دنوّه منّا وقربنا منه لا نكلّمه لهيبته، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته، فإن تبسّم فعن[4] مثل اللؤلؤ المنظوم.
يعظم أهل الدين، ويحبّ المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل