فبتّ يجافيني تهلل دمعة* * * و قربته من مضجعي و وسادي
فقلت له: قرّب قعودك و ارتحل* * * و لا تخشى مني جفوة ببلادي
و خلّ زمام العيس و ارتحلن بنا* * * على عزمة من أمرنا و رشاد
و رح [1]رائحا في الراشدين مشيعا* * * لذي رحم في القوم غير معاد
فرحنا مع العير التي راح ركبها* * * يؤمّون على غوري أرض إباد
فما رجعوا حتى رأوا من محمد* * * أحاديث تجلو غمّ كل فؤاد
و حتى رأوا حبار كل مدينة* * * سجودا له من عصبة و فراد
زبيرا و تمّاما و قد كان شاهدا* * * دريسا و همّوا كلهم بفساد
فقال لهم قولا بحيرا و أيقنوا* * * له بعد تكذيب و طول بعاد
كما قال للرهط الذين تهوّدوا* * * و جاهدهم في اللّه كل جهاد
فقال و لم يملك له النصح: ردّه* * * فإن له أرصاد كل مضاد
فإني أخاف الحاسدين و إنه* * * أخو الكتب مكتوب بكل مداد
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحاق قال: فشب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلّم) يكلؤه اللّه و يحفظه و يحوطه من أقذار الجاهلية و معايبها لما يريد به من كرامته و رسالته، و هو على دين قومه، حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة، و أحسنهم خلقا، و أكرمهم مخالطة و أحسنهم جوارا، و أعظمهم خلقا، و أصدقهم حديثا، و أعظمهم أمانة، و أبعدهم من الفحش [5] و الأخلاق التي تدنس الرجال تنزها و تكرما، حتى ما اسمه في قومه إلّا الأمين، لما جمع اللّه عز و جل فيه من الأمور الصالحة، و كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلّم)، فيما ذكر لي، يحدث عما كان يحفظه اللّه عز و جل به في صغره و أمر جاهليته.