و الانطلاق، حتى إذا أشرف على وادي وج من الطائف، خرجت إليه ثقيف، فقالوا: أيها الملك، إنما نحن عبيدك، و ليست ربتنا هذه بالتي تريد- يعنون اللات، صنمهم، و ليست بالتي تحج إليها العرب، و إنما ذلك بيت قريش، الذي تجيء إليه العرب، قال: فابغوني دليلا يدلني عليه، فبعثوا معه رجلا من هذيل، يقال له نفيل [1]، فخرج بهم يهديهم، حتى إذا كانوا بالمغمس، نزلوا المغمس من مكة على ستة أميال، فبعثوا مقدماتهم إلى مكة، فخرجت مكة عباديد في رءوس الجبال، و قالوا: لا طاقة لنا بقتال هؤلاء القوم، فلم يبق بمكة أحد إلّا عبد المطلب بن هاشم، أقام على سقايته؛ و غير شيبة بن عثمان ابن عبد الدار، أقام على حجابة البيت، فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب، ثم يقول:
اللهم إن المرء يمن* * * ع حله فامنع حلالك
لا يغلبوا بصليبهم* * * و محالهم غدرا محالك
ان يدخلوا البلد الحرام* * * غدا فأمر ما بدا لك
يقول: أي شى ما، بدا لك، لم تكن تفعله بنا، ثم إن مقدمات أبرهة، أصابت نعما لقريش، فأصابت فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، فلما بلغه ذلك، خرج حتى انتهى إلى القوم، و كان حاجب أبرهة رجلا من الأشعريين، و كانت له بعبد المطلب معرفة قبل ذلك، فلما انتهى إليه عبد المطلب، قال له الأشعري: ما حاجتك؟ فقال: حاجتي أن تستأذن لي على الملك، فدخل عليه حاجبه، فقال له: أيها الملك، جاءك سيد قريش الذي يطعم أنيسها في السهل، و وحوشها في الجبل، فقال: ائذن له، و كان عبد المطلب رجلا جسيما جميلا، فأذن له، فدخل عليه، فلما أن رآه أبو يكسوم، أعظمه أن يجلسه تحته، و كره أن يجلسه معه على سريره، فنزل من سريره، فجلس على الأرض، و أجلس عبد المطلب معه، ثم قال: ما حاجتك؟ فقال: حاجتي مائتا بعير، أصابتها