السفينة يبول فدفعه عمارة في البحر، فلما وقع فيه سبح حتى أخذ بمنجاف السفينة، فقال له عمارة: أما و اللّه لو عرفت يا عمرو أنك تسبح ما طرحتك، و لكن كنت أظنك لا تحسن السباحة، فلما قال ذلك عمارة لعمرو ضغن عليه عمرو في نفسه، و عرف أنه قد أراد قتله و مضيا في وجههما حتى قدما أرض الحبشة كتب عمرو إلى أبيه العاصي بن وائل أن اخلعني و تبرأ من جريرتي إلى بني المغيرة و جميع بني مخزوم، و خشي على أبيه أن يتبع بجريرته، فلما قدم الكتاب على العاصي مشى إلى رجال من بني مخزوم، و رجال من بني المغيرة فقال: إن هذين الرجلين قد خرجا حيث قد علمتم، و كلاهما فاتك صاحب شر، غير مأمونين على أنفسهما: و لا أدري ما يكون، إني أتبرأ إليكم من عمرو و جريرته فقد خلعته، فقالت له عند ذلك بنو المغيرة و رجال من بني مخزوم: و أنت تخاف عمرا على عمارة و نحن قد خلعنا عمارة و تبرأنا إليك من جريرته، فخل بين الرجلين، فقال: قد فعلت، فخلعوهما و تبرأ كل واحد من صاحبهم، و مما جرّ عليهم.
فلما اطمأنا لم يلبث عمارة أن دب لامرأة النجاشي، و كان رجلا جميلا و سيما، فأدخلته فاختلف إليها، و جعل إذا رجع من مدخله ذلك يحدث عمرا بما كان من أمره، فجعل عمرو يقول: ما أصدقك إنك قدرت على هذا، شأن المرأة أرفع من هذا! فلما أكثر عليه عمارة، و كان عمرو قد صدقه و عرف أنه قد دخل عليها، و رأى من هيئته [1] و ما يصنع به و الذهاب إذا أمسى و بيتوتته عنه حتى يأتي من السحر ما عرف به في ذلك، و كانا في منزل واحد، و لكنه كان يريد أن يأتيه بشيء لا يستطيع دفعه إن هو رفع شأنه إلى النجاشي، فقال له في بعض ما يذكر له من أمرها: إن كنت صادقا أنك بلغت منها ما تقول، فقل لها فلتدهنك من دهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره، فإني أعرفه، و ائتني منه بشيء حتى أصدقك بما تقول، قال: (71) أفعل، قال: فجاءه في بعض