يقول أشعارا يستبطئ فيها خبر خديجة، و يتريث ما ذكرت له، فقال ورقة ابن نوفل:
أ تبكر أم أنت العشيّة رائح* * * و في الصدر من اضمارك الحزن قادح
لفرقة قوم لا أحبّ فراقهم* * * كأنك عنهم بعد يومين نازح
و أخبار صدق خبّرت عن محمد* * * يخبرها عنه إذا غاب ناصح
فتاك الذي وجهت يا خير حرّة* * * بغوري و النجدين حيث الصحاصح
إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت* * * و هن من الأحمال قعص دوالح
فخبّرنا عن كل حبر بعلمه* * * و للحقّ أبواب لهنّ مفاتح
بأنّ ابن عبد اللّه أحمد مرسل* * * إلى كل من ضمّت عليه الأباطح
و ظني به أن سوف يبعث صادقا* * * كما أرسل العبدان هود و صالح
و موسى و إبراهيم حتى يرى له* * * بهاء و منشور من الذكر واضح [31]
و متبعه حيّا لؤي جماعة* * * شبابهم و الأشيبون الجحاجح
فإن أبق حتى يدرك الناس دهره* * * فإني به مستبشر الودفارح
و إلّا فإني يا خديجة فاعلمي* * * عن ارضك في الأرض العريضة سائح
خبر الحنيفية.
حدثنا احمد: نا يونس عن محمد بن إسحاق قال: و كانت قريش حين رفعوا بنيان الكعبة و سقوفها يترافدون على كسوتها كل عام، تعظيما لحقها، و كانوا يطوفون بها، و يستغفرون اللّه عندها، و يذكرونه مع تعظيم الأوثان و الشرك في ذبائحهم و دينهم كله، و قد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل، و ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى، و عثمان بن الحارث [1] بن أسد بن عبد العزى، و عبد اللّه بن جحش بن رئاب، و كانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم حليف بني أمية، حضروا قريشا عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم، فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض، و قالوا:
[1] كذا في الأصل، و المعروف أنه ابن الحويرث- انظر الروض: 1/ 253.