أنا أصحبك، قالت: انظرني حتى أملأ سقائي ماء، قال: معى ماء فانطلقت معه، فساروا حتى أمسوا، فنزل اليهودي و وضع سفرته و تعشّى، و قال: يا أم شريك، تعالي إلى العشاء، قالت:
اسقني، فإني عطشى و لا أستطيع أن آكل حتى أشرب، قال: لا أسقيك قطرة حتى تهوّدي، قالت: و اللّه لا أتهوّد أبدا فأقبلت إلى بعيرها فعقلته و وضعت رأسها على ركبته، قالت: فما أيقظني إلا برد دلو قد وقع على جبيني فرفعت رأسي فنظرت إلى ماء أشدّ بياضا من اللّبن و أحلى من العسل فشربت حتى رويت ثم نضحت على سقائي حتى ابتلّ ثم ملأته ثم رفع بين يديّ و أنا أنظر حتى توارى منّي في السماء فلما أصبحت جاء اليهوديّ، فقال: يا أم شريك قلت: و اللّه قد سقاني اللّه. قال: من أين؟ أنزل عليك من السماء ماء؟ قالت: نعم، و اللّه لقد أنزل عليّ من السماء ماء ثم رفع بين يديّ حتى توارى عنّي في السماء
ثم أقبلت حتى دخلت على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) فوهبت نفسها له فزوجها زيدا و أمر لها بثلاثين صاعا و قال: «كلوا و لا تكيلوا»، و كان معها عكّة سمن هدية لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) فأمرت جاريتها أن تحملها إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) فانطلقت فأخذوها، فأفرغوها، و أمرها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) إذا ردّتها أن تعلّقها و لا توكئها فدخلت أمّ شريك فوجدتها ملأى، فقالت: للجارية: ألم آمرك أن تذهبي إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم)؟ قالت: قد فعلت ثم أقبلت بها ما ينظر منها شيء، و لكنه قال: «علّقوها و لا توكئوها»، فذكروا ذلك لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) فأمرهم أن لا يوكئوها،
فلم تزل حتى أوكأتها أمّ شريك ثم كالوا الشعير فوجدوه ثلاثين صاعا لم ينقص منه شيء.
قصة أخرى.
روى الطبراني و البيهقي و أبو نعيم عن محمد بن عمرو بن حمزة الأسلميّ عن أبيه عن جدّه قال: خرج رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) إلى تبوك، و خرجت على خدمته ذلك السّفر، فنظرت إلى نحي السّمن قد قلّ ما فيه و هيّأت للنبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) طعاما و وضعت السمن في الشمس و نمت فانتبهت بخرير النحي فقمت فأخذت برأسه بيدي فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم): «لو تركته لسال واديا سمنا» [1].
قصة أخرى.
روى الإمام أحمد و مسلم عن جابر رضي اللّه عنه قال: إن البهزية أم مالك كانت تهدي لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) في عكّة لها سمنا، فيأتيها بنوها يسألونها عن إدام و ليس عندها شيء فعمدت إلى العكة التي كانت تهدي فيها إلى النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم) فوجدت فيها سمنا فما زال يقيم لها إدام بنيها
[1] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (155) و انظر المجمع (6/ 194).