لا يقع من ثمامة موقعا و يأتيه رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) فيقول: «ما عندك يا ثمامة؟» فيقول: «عندي خير يا محمد». و في لفظ: «أسلم يا ثمامة». فيقول: «أيها يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم و إن تنعم تنعم على شاكر و إن ترد الفداء فسل منه ما شئت». فتركه رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) حتى إذا كان الغد فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» قال: عندي ما قلت لك. و ذكر مثله: فقال رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «أطلقوا ثمامة» فأطلقوه فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: «أشهد ألا إله إلا اللَّه و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، يا محمد و اللَّه ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلها إليّ، و اللَّه ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحبّ الدين كله إليّ، و اللَّه ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلها إليّ، و إن خليلك أخذتني و أنا أريد العمرة فما ذا ترى؟» فبشّره رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و أمره أن يعتمر. فلما أسلم جاءوه بما كانوا يأتونه به من الطعام و باللّقحة فلم يصب من حلابها إلا يسيرا فعجب المسلمون من ذلك. فقال رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) [حين بلغه ذلك]: «ممّ تعجبون؟ أمن رجل أكل أوّل النهار في معى كافر و أكل في آخر النهار في معى مسلم؟ إنّ الكافر يأكل في سبعة أمعاء و إن المسلم يأكل في معى واحد».
قال ابن هشام (رحمه اللّه تعالى): فبلغني أنه خرج معتمرا حتى إذا كان ببطن مكة لبّى فكان أوّل من دخل مكة يلبّي. فأخذته قريش فقالوا: لقد اجترأت علينا. فلما قدّموه ليضربوا عنقه قال قائل منهم: دعوه فإنكم تحتاجون إلى اليمامة لطعامكم فخلّوه. فقال الحنفي في ذلك:
و منّا الذي لبّى بمكّة معلنا* * * برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم
و قالوا: أ صبوت يا ثمامة؟ فقال: لا و لكني أسلمت مع رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) اتّبعت خير دين، دين محمد و و اللَّه لا تصل إليكم من اليمامة حبّة حنطة حتى يأذن فيها رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم). ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا منها شيئا إلى مكة حتى أكلت قريش العلهز.
فجاء أبو سفيان إلى رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، و في رواية قال: «أ لست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟» قال: «بلى». قال: «فقد قتلت الآباء بالسيف و الأبناء بالجوع».
و في رواية: فكتبوا إلى رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «إنك تأمر بصلة الرّحم و إنك قد قطعت أرحامنا». فكتب رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) إليه أن يخلّي بينهم و بين الحمل، و أنزل اللَّه عز و جل: وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون 76].
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
القرطاء: بضم القاف و سكون الراء و بالطاء المهملة و هم قرط بضم القاف و سكون الراء