بعد ذلك- (فقتله) و ذكر أبو عمر في الاستيعاب أن أبا صبيرة بن العبدري قتل خبيبا مع عقبة و صوابه أبو ميسرة كما عند ابن إسحاق (رحمه اللّه تعالى). و روى ابن إسحاق بسند صحيح عن عقبة بن الحارث قال: «لأنا كنت أضعف من ذلك، و لكن أبا ميسرة العبدري أخذ الحربة فجعلها في يدي، ثم أخذ بيدي و بالحربة. ثم طعنته بها حتى قتلته» و ذكر محمد بن إسحاق، و محمد بن عمر و غيرهما أن خبيبا رضي اللَّه تعالى عنه حين رأى ما صنعوا به قال:
لقد جمّع الأحزاب حولي و ألّبوا* * * قبائلهم و استجمعوا كلّ مجمع
و كلّهم مبدي العداوة جاهد* * * علي لأنّي في وثاق مضيّع
و قد جمّعوا أبناءهم و نساءهم* * * و قرّبت من جذع طويل ممنّع
و قد خيّروني الكفر و الموت دونه* * * و قد هملت عيناي من غير مجزع
و ما بي حذار الموت إنّي لميّت* * * و لكن حذاري حرّ نار تلفّع
إلى اللَّه أشكو غربتي ثمّ كربتي* * * و ما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
فذا العرش صبّرني على ما يراد بي* * * فقد بضعوا لحمي و قد ياس مطمعي
و ذلك في ذات الإله و إن يشأ* * * يبارك على أوصال شلو ممزّع
لعمرك ما آسي إذا متّ مسلما* * * على أيّ جنب كان في اللَّه مصرعي
فلست بمبد للعدوّ تخشّعا* * * و لا جزعا إنّي إلى اللَّه مرجعي
و روى البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه أن خبيبا رضي اللَّه تعالى عنه قال:
فلست أبالي حين أقتل مسلما* * * على أيّ جنب كان في اللَّه مصرعي
و ذلك في ذات الإله و إن يشأ* * * يبارك على أوصال شلو ممزّع
و روى الإمام أحمد بن عمرو بن أمية رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بعثه وحده عينا إلى قريش قال: «فجئت خشبة خبيب و أنا أتخوّف العيون فرقيت- و في لفظ فصعدت فيها- فحللت خبيبا فوقع إلى الأرض فانتبذت غير بعيد، فسمعت وجبة خلفي فالتفتّ فلم أر خبيبا، و كأنما ابتلعته الأرض فلم أر لخبيب أثرا حتى الساعة» و ذكر أبو يوسف (رحمه اللّه تعالى) في كتاب اللطائف عن الضحّاك (رحمه اللّه تعالى) أن رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) أرسل المقداد و الزبير في إنزال خبيب عن خشبته و دخلا إلى التنعيم فوجدا حوله أربعين رجلا نشاوى فأنزلاه فحمله الزبير على فرسه و هو رطب لم يتغير منه شيء، فنذر بهم المشركون فلما لحقوهم قذفه الزبير فابتلعته الأرض فسمّي بليع الأرض.
و ذكر القيرواني في حلى العليّ أن خبيبا لما قتل جعلوا وجهه إلى غير القبلة فوجدوه مستقبلا لها فأداروه مرارا ثم عجزوا فتركوه. و روى ابن إسحاق عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى