الباب الخامس و الستون في وفود عبد القيس إليه (صلّى اللّه عليه و سلم) و إخبار رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بطلوعهم قبل قدومهم.
روى أبو يعلى، و الطبراني بسند جيّد، و البيهقي عن مزيدة بن مالك العصريّ، و أبو يعلى عن الأشجّ العبدي رضي اللّه تعالى عنهما [1]، قال الأول: بينما رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يحدّث أصحابه إذ قال لهم: «سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق».
فقام عمر رضي اللّه تعالى عنه فتوجّه نحوهم فلقي ثلاثة عشر راكبا فقال: «من القوم؟» فقالوا: من بني عبد القيس. قال: «فما أقدمكم أ لتجارة؟» قالوا: لا. قال: أما أن النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) قد ذكركم آنفا فقال خيرا.
ثم مشوا معه حتى أتوا النبي (صلّى اللّه عليه و سلم). فقال عمر للقوم: هذا صاحبكم الذي تريدون، فرمى القوم بأنفسهم عن ركائبهم فمنهم من مشى و منهم من هرول و منهم من سعى حتى أتوا النبي (صلّى اللّه عليه و سلم)، فابتدره القوم و لم يلبسوا إلا ثياب سفرهم، فأخذوا بيده فقبّلوها، و تخلّف الأشجّ و هو أصغر القوم في الرّكاب حتى أناخها، و جمع متاع القوم و ذلك بعين رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم).
و في حديث الزّارعي بن عامر العبدي عند البيهقي: فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبّل يد رسول اللّه و رجله، و انتطر المنذر الأشجّ حتى أتى عيبته فلبس ثوبيه.
و في حديث عند الإمام أحمد رضي اللّه تعالى عنه: فأخرج ثوبين أبيضين من ثيابه فلبسهما ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) فقبّلها، و كان رجلا دميما، فلما نظر (صلّى اللّه عليه و سلم) إلى دمامته قال: يا رسول اللّه إنه لا يستقى في مسوك الرجال إنما يحتاج من الرجل إلى أصغريه لسانه و قلبه. فقال له رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «إن فيك خصلتين يحبّهما اللّه و رسوله الحلم و الأناة». قال: يا رسول اللّه أنا أ تخلّق بهما أم اللّه جبلني عليهما؟ قال: «بل اللّه تعالى جبلك عليهما». قال: الحمد للّه الذي جبلني على خلّتين يحبّهما اللّه تعالى و رسوله. قال: «يا معشر عبد القيس ما لي أرى وجوهكم قد تغيّرت؟» قالوا: يا نبيّ اللّه نحن بأرض وخمة و كنا نتخذ من هذه الأنبذة ما يقطع من بطونها، فلما نهيتنا عن الظروف فذلك الذي ترى في وجوهنا.
فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «إن الظروف لا تحلّ لا تحرّم و لكن كل مسكر الحرام و ليس أن تجلسوا فتشربوا حتى إذا ثملت العروق تفاخرتم فوثب الرجل على ابن عمّه بالسيف فتركه أعرج». قال: و هو يومئذ في القوم الأعرج الذي أصابه ذلك. و أقبل القوم على تمرات لهم
[1] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 327 و انظر البداية و النهاية 5/ 47.