قال ابن عباس: لما صدّت عن البيت حنّت كما تحنّ إلى أولادها. رواه الإمام أحمد و البيهقي [1]. فنحر رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- بدنه حيث حبسوه و هي الحديبية، و شرد جمل أبي جهل من الهدي و هو يرعى و قد قلد و أشعر. و كان نجيبا مهريا في رأسه برّة من فضة، أهداه ليغيظ بذلك المشركين، فمر من الحديبية حتى انتهى إلى دار أبي جهل بمكة، و خرج في أثره عمرو بن عنمة بن عديّ الأنصاري، فأبى سفهاء مكّة أن يعطوه حتّى أمرهم سهيل بن عمرو بدفعه إليه، قيل: و دفعوا فيه عدّة نياق،
فقال رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم) «لو لا أن سمّيناه في الهدي فعلنا»،
و نحره عن سبعة، و نحر طلحة بن عبيد اللّه، و عبد الرحمن بن عوف، و عثمان بن عفان، بدنات ساقوها.
و روى ابن سعد عن أبي سفيان عن جابر قال: نحر رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- سبعين بدنة عام الحديبية، البدنة عن سبعة، و كنّا يومئذ ألفا و أربعمائة، و من لم يضح أكثر ممن ضحى، و كان رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- مضطربا في الحل و إنّما يصلّي في الحرم. و بعث رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- من هديه بعشرين بدنة لتنحر عنه عند «المروة» مع رجل من أسلم، فلمّا فرغ رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- من نحر البدن دخل قبة له من أدم حمراء و دعا بخراش- بمعجمتين- بن أميّة بن الفضل الكعبي، فحلق رأسه و رمى شعره على شجرة كانت إلى جنبه من سمرة خضراء، فجعل الناس يأخذون الشّعر من فوق الشّجرة فيتحاصونه، و أخذت أمّ عمارة طاقات من شعره فكانت تغسلها للمريض و تسقيه فيبرأ، و جعل بعضهم يحلق بعضا حتّى كاد بعضهم يقتل بعضا غمّا.
و حلق بعض المسلمين و قصّر بغض،
فأخرج رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- رأسه من قبته و هو يقول: رحم اللّه المحلقين، قيل: يا رسول اللّه و المقصرين قال: «رحم اللّه المحلّقين ثلاثا». ثمّ قال و «المقصرين»
و روى ابن أبي شيبة عن ابن عبّاس أنهم قالوا: يا رسول اللّه ما بال المحلّقين ظاهرت عليهم الترحيم؟ قال: لأنّهم لم يشكّوا [3]. و رواه البيهقي موقوفا.
و بعث اللّه تعالى ريحا عاصفة فاحتملت أشعارهم فألقتها في الحرم كما رواه ابن سعد عن مجمع بن يعقوب عن أبيه، و أقام رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- «بالحديبية تسعة عشر يوما، و يقال عشرين ليلة، ذكره محمد بن عمر، و ابن سعد. قال ابن عائذ: و أقام رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- في غزوته هذه شهرا و نصفا.