لمّا قدم فلّ ثقيف الطائف رمّوا حصنهم و أغلقوا عليهم أبواب مدينتهم، و تهيئوا للقتال، و كانوا أدخلوا فيه قوت سنة لو حصروا و جمعوا حجارة كثيرة، و أعدوا سككا من الحديد و أدخلوا معهم قوما من العرب من عقيل و غيرهم، و أمروا بسرحهم أن يرفع في موضع يأمنون فيه، و قدّم رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- بين يديه خالد بن الوليد في ألف من أصحابه إلى الطائف، فأتى خالد الطائف فنزل ناحية من الحصن، و قامت ثقيف على حصنها بالرّجال و السّلاح، و دنا خالد في نفر من أصحابه فدار بالحصن من كان متنحيا عنه، و نظر إلى نواحيه، ثم وقف في ناحية من الحصن فنادى بأعلى صوته: ينزل إليّ بعضكم أكلّمه و هو آمن حتى يرجع، أو اجعلوا لي مثل ما جعلت لكم، و أدخل عليكم حصنكم أكلمكم. قالوا: لا ينزل إليك رجل منا و لا تصل إلينا، و قالوا: يا خالد إنّ صاحبكم لم يلق قوما يحسنون قتاله غيرنا. قال خالد: فاسمعوا من قولي، نزل رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- بأهل الحصون و القوة بيثرب و خيبر، و بعث رجلا واحدا إلى فدك فنزلوا على حكمه، و أنا أحذركم مثل يوم بني قريظة، حصرهم رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- أيّاما، ثم نزلوا على حكمه، فقتل مقاتلتهم في صعيد واحد ثمّ سبى الذّرية، ثم دخل مكة فافتتحها و أوطأ هوازن في جمعها، و أنتم في حصن في ناحية من الأرض، لو ترككم لقتلكم من حولكم ممن أسلم. قالوا: لا نفارق ديننا، ثم رجع خالد بن الوليد إلى منزله.
و سار رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- بعد خالد و لم يرجع إلى مكة، و لابها عرج على شيء إلا على غزو الطائف قبل أن يقسم غنائم حنين و قبل كلّ شيء و ترك السّبي بالجعرانة و ملئت عرش مكة منهم.
و كان مسيره في شوال سنة ثمان، و قال شدّاد بن عارض الجشميّ- رضي اللّه عنه- في مسير رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)-:
لا تنصروا اللّات إنّ اللّه مهلكها* * * و كيف ينصر من هو ليس ينتصر؟
إنّ الّتي حرّقت بالسّدّ فاشتعلت* * * و لم تقاتل لدى أحجارها هدر
إنّ الرّسول متى ينزل بلادكم* * * يظعن و ليس بها من أهلها بشر
قال ابن إسحاق- (رحمه اللّه تعالى)- فسلك رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- يعني من حنين إلى الطائف على نخلة اليمانية، ثم على قرن ثم على المليح، ثم على بحرة الرّغاء من ليّة، فابتنى بها مسجدا فصلّى فيه، و أقاد يومئذ ببحرة الرّغاء حين نزلها بدم، و هو أوّل دم أقيد به في الإسلام، أتي برجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به. و أمر رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- و هو بليّة بحصن مالك بن عوف فهدم. و صلّى الظّهر بليّة. ثم سلك في طريق يقال لها الضّيقة،