responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : سبل الهدى و الرشاد في سيرة خير العباد نویسنده : محمد بن يوسف الصالحي الدمشقي    جلد : 5  صفحه : 347

- تعالى- أن أذاق المسلمين أولا مرارة الهزيمة و الكبوة مع كثرة عددهم و عددهم و قوّة شوكتهم ليطأ من رؤوس رفعت بالفتح و لم تدخل بلده و حرمه كما دخله رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- واضعا رأسه منحنيا على فرسه، حتّى إنّ ذقنه تكاد أن تمسّ سرجه تواضعا لربه تبارك و تعالى، و خضوعا لعظمته، و استكانة لعزته أن أحلّ له حرمة بلده، و لم يحله لأحد قبله، و لا لأحد بعده، و ليبيّن عزّ و جلّ لمن قال: لن نغلب اليوم من قلّة أن النّصر إنما هو من عنده، و أنه من ينصره فلا غالب له، و من يخذله فلا ناصر له غيره، و أنه- تعالى- هو الذي تولّى نصر رسوله و دينه لا كثرتكم التي أعجبتكم، فإنها لم تغن عنكم شيئا فولّيتم مدبرين فلما انكسرت قلوبهم أرسلت إليها خلع الجبر مع مزيد ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى‌ رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها [التوبة 26] و قد اقتضت حكمته- تبارك و تعالى- أنّ خِلع النّصر و جوائزه إنما تفضى على أهل الانكسار وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ، وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ‌ [القصص 5، 6].

الثاني: و افتتح اللّه- سبحانه و تعالى- غزو العرب بغزوة بدر، و ختم غزوهم بغزوة حنين، و لهذا يقرن هاتين الغزاتين بالذكر فيقال «بدر و حنين» و إن كان بينهما سبع سنين و الملائكة قاتلت بأنفسها مع المسلمين بهاتين الغزاتين، و النبي- (صلّى اللّه عليه و سلم) رمى وجوه المشركين بالحصا فيهما، و بهاتين الغزاتين طفئت جمرة العرب لغزو رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم) و المسلمين، فالأولى خوفتهم و كسرت من حدتهم. و الثّانية: استفرغت قواهم، و استنفدت سهامهم، و أذلت جمعهم، حتّى لم يجدوا بدا من الدّخول في دين اللّه- تعالى- و جبر اللّه تبارك و تعالى أهل مكّة بهذه الغزوة، و فرّحهم بما نالوا من النّصر و المغنم، فكانت كالدّواء لما نالهم من كسرهم، و إن كان عين جبرهم و قهرهم تمام نعمته عليهم بما صرفه عنهم من شرّ من كان يجاورهم من أشراف العرب من هوازن و ثقيف، بما أوقع بهم من الكسرة، و بما قيّض لهم من دخولهم في الإسلام، و لو لا ذلك ما كان أهل مكّة يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدّتها. و من تمام التوكّل استعمال الأسباب التي نصبها اللّه سبحانه و تعالى لمسبباتها قدرا و شرعا فإن رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- أكمل الخلق توكّلا، فقد دخل مكّة و البيضة على رأسه، و لبس يوم حنين درعين، و قد أنزل اللّه- سبحانه و تعالى‌ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‌ [المائدة 67] و كثير ممن لا تحقيق عنده يستشكل هذا و يتكايس في الجواب، تارة بأنّ هذا فعله- (صلّى اللّه عليه و سلم)- تعليما لأمّته، و تارة بأنّ هذا كان قبل نزول الآية!! لو تأمل أن ضمان اللّه- سبحانه و تعالى- له العصمة لا ينافي تعاطيه لأسبابها فإنّ هذا الضمان له من ربّه- تبارك و تعالى- لا ينافي احتراسه من الناس و لا ينافيه، كما أن إخبار اللّه- عز و جل- له بأنه يظهره على الدّين كله و يعليه، لا يناقض أمره‌

نام کتاب : سبل الهدى و الرشاد في سيرة خير العباد نویسنده : محمد بن يوسف الصالحي الدمشقي    جلد : 5  صفحه : 347
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست