الذي وعدتني؟ ما زلت منتظرة لك منذ اليوم- تسخر منه- فقال: دعي هذا عنك، و اغلقي عليّ بابي، ثم قال:
إنّك لو شهدت يوم الخندمة* * * إذ فرّ صفوان و فرّ عكرمه
و أبو يزيد كالعجوز المؤتمه* * * و استقبلتهم بالسّيوف المسلمه
يقطعن كلّ ساعد و جمجمة* * * ضربا فلا تسمع إلّا الغمغمة
لهم نهيت خلفنا و همهمه* * * لم تنطقي في اللّوم أدنى كلمه
و أقبل الزّبير- رضي اللّه عنه- بمن معه من المسلمين حتى انتهى إلى الحجون عند منزل رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- و لم يقتل من المسلمين إلّا رجلان من أصحاب الزّبير، أخطأ الطّريق فسلكا غيره فقتلا، و هما كرز بن جابر الفهريّ [1] و حبيش- بحاء مهملة مضمومة، فموحّدة مفتوحة، فتحتية ساكنة فشين معجمة- بن خالد بن ربيعة بن الأشعر- بشين معجمة، و عين مهملة- الكعبي- رضي اللّه عنهما- و مضى رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- فدخل مكة من أذاخر، [2] فلما ظهر على أذاخر، نظر إلى البارقة مع فضض المشركين، فقال: «ما هذه البارقة؟! ألم أنه عن القتال؟» قالوا: يا رسول اللّه، خالد بن الوليد قوتل و لو لم يقاتل ما قاتل، و ما كان يا رسول اللّه ليعصيك، و لا يخالف أمرك، فقال رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- «قضاء اللّه خير».
و روى الطّبراني عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أن رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- خطب، فقال: «إنّ اللّه حرّم مكّة» الحديث [3]، فقيل: هذا خالد يقتل، فقال: «قم يا فلان فقل له فليرفع يديه من القتل» فأتاه الرّجل، فقال له: إن رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- يقول لك، أقتل من قدرت عليه، فقتل سبعين، فأتى رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- فذكر له ذلك، فأرسل إلى خالد «ألم أنهك عن القتل؟!» فقال: جاءني فلان فأمرني أن أقتل من قدرت عليه، فأرسل إليه «ألم آمرك أن تنذر خالدا؟» قال:
أردت أمرا فأراد اللّه أمرا، فكان أمر اللّه فوق أمرك، و ما استطعت إلّا الذي كان، فسكت رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- ما ردّ عليه.
و روى الإمام أحمد، و مسلم، و البيهقيّ، و غيرهم عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: لمّا كان يوم فتح مكة، وبّشت قريش أوباشا لها و أتباعا، فقالوا: نقدّم هؤلاء، فإن كان لهم شيء
[1] كرز بن جابر بن حسل بن لاحب بن حبيب بن عمرو بن سفيان بن محارب بن فهر القرشي الفهري .. كان من رؤساء المشركين قبل أن يسلم و أغار على سرح المدينة مرة فحرج النبي- (صلّى اللّه عليه و سلم) في طلبه حتى بلغ سفوان وفاته كرز و هذه هي غزوة بدر الاولى ثم أسلم، الإصابة 5/ 297.
[2] أذاخر بالفتح، و الخاء المعجمة مكسورة: موضع بأعلى مكة، منه دخل رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)-، و ضربت هناك قبّته. مراصد الإطلاع 1/ 46.
[3] أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 48 و انظر المجمع 3/ 284، 7/ 34 و السيوطي في الدر المنثور 3/ 271، 272.