الباب الثالث عشر في معرفة بعض طغاة المنافقين الذين انضافوا إلى اليهود و بعض أمور دارت بين رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و بينهم
سرد ابن إسحاق و جماعة أسماء المنافقين، و أنا ذاكر هنا بعض من نزل القرآن الكريم بكشف حاله، و أقدّم قبل ذلك معنى النّفاق. النفاق: اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، و هو فعل المنافق الذي يستر كفره و يظهر إيمانه كما يتستّر الرجل بالنّفق الذي هو السّرب [1]، فقيل هو اشتقاقه من هذا. و قيل من قولهم نافق اليربوع إذا دخل في قاصعائه و خرج من نافقائه و بالعكس. و ذلك أن اليربوع له جحرة أربعة: النافقاء و القاصعاء و الرّاهطاء و الدّامّاء، فهو يرقّق أقصى النافقاء و يكتمها و يظهر غيرها. فإذا قصد من غيرها من الجحر ضرب النافقاء برأسه فانتفق منها أي خرج. و قيل: إنها نافذة بعضها إلى بعض، فمن أيّها قصد خرج من الأخرى. فكذلك المنافق يدخل في الإيمان من جهة و يخرج من جهة أخرى فاشتقاقه من فعل اليربوع. و قيل: اشتقاقه من صورة النافقاء لا من فعل اليربوع، و ذلك أن النافقاء ظاهره مدخل و باطنه مخرج و مهرب، فكذا المنافق ظاهره إيمان و باطنه كفر، و محل النفاق القلب.
و لما قدم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) المدينة أسلم بشر كثير ممّن أراد اللّه عز و جل هدايته.
و انضاف إلى اليهود أناس من الأوس و الخزرج ممن كان عسا في الجاهلية، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشّرك و التكذيب بالبعث، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره، و اجتماع قومهم عليه، فتظاهروا بالإسلام و اتخذوه جنّة من القتل و نافقوا في السّرّ، و كان هواهم مع يهود لتكذيبهم برسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و جحودهم الإسلام.
و قد ذكر اللّه أخبارهم في سورة براءة و غيرها. فمن المنافقين: الجلاس- بجيم مضمومة فلام مخفّفة فألف فسين مهملة- ابن سويد بن الصامت. قال ابن إسحاق: و كان ممّن تخلّف عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) في غزوة تبوك. و روى ابن إسحاق، و ابن أبي حاتم عن كعب بن مالك، و ابن أبي حاتم عن ابن عباس، و عبد الرّزّاق، و ابن سعد، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم، و أبو الشيخ عن عروة قالوا: لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين قال الجلاس: «و اللّه لئن كان هذا الرجل صادقا [على إخواننا الذين هم ساداتنا و خيارنا] لنحن شرّ من الحمير». فسمعها عمير بن سعد رضي اللّه عنه، و كان في حجر جلاس خلف على أمه بعد أبيه. فقال له عمير: «و اللّه يا جلاس إنك لأحبّ الناس إليّ و أحسنه عندي يدا و أعزّه عليّ أن يصيبه شيء يكرهه، و لقد قلت مقالة