responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : سبل الهدى و الرشاد في سيرة خير العباد نویسنده : محمد بن يوسف الصالحي الدمشقي    جلد : 3  صفحه : 125

و مثاله دعاء النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) بالدعوات الثلاث لأمته و هي: ألّا يظهر عليهم عدوّ من غيرهم، و ألّا يهلكهم بالسنين، فأعطيهما و دعا بألّا يجعل بأسهم بينهم، فاستجيب في الاثنتين و لم يستجب له في الثالثة، و قيل له: هذا أمر قدّرته أي أنفذته [1]، فكانت الاثنتان من القدر الذي قدرّه اللّه تعالى و قدّر ألا ينفذه بسبب الدعاء و كانت دعوته الثالثة من القدر الذي قدرّه اللّه تعالى و قدرّ إنفاذه على كل الأحوال لا يردّه رادّ. و سيأتي لهذا مزيد إيضاح.

فلأجل ما ركّب في موسى (عليه الصلاة و السلام) من اللطف و الرحمة بالأمة طمع لعل أن يكون ما اتفق لأمته من القدر الذي قدّره اللّه تعالى و قدّر ارتفاعه بسبب الدعاء و التّضرّع.

و هذا وقت يرجى فيه التعطف و الإحسان من اللّه تعالى لأنه وقت أسري فيه بالحبيب ليخلع عليه خلع القرب و الفضل العميم، فطمع الكليم لعل أن يلحق لأمته نصيبا».

و بوجه آخر و هو البشارة للنبي (صلّى اللّه عليه و سلم) و إدخال السرور عليه يشهد لذلك بكاؤه حين ولّى النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) و قبل أن يبعد عنه لكي يسمعه، لأنه لو كان البكاء خاصا بموسى لم يكن ليبكي حتى يبعد عنه النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) فلا يسمعه لأن البكاء و النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) يسمع، فيه شي‌ء من التهوين عليه.

فلما أن كان المراد بذلك ما يصدر عن البشارة له (صلّى اللّه عليه و سلم) بسبب البكاء بكى و النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) يسمعه، و البشارة التي يتضمّنها البكاء هي قول موسى (عليه الصلاة و السلام) للّذي هو أكثر الأنبياء اتباعا: «إن الذي يدخل الجنة من أمة محمد أكثر ممن يدخلها من أمّتي».

«و قد وقع من موسى (عليه السلام) من العناية بهذه الأمة في أمر الصلاة ما لم يقع لغيره و وقعت الإشارة لذلك في حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه، مرفوعا: «كان موسى أشدّهم عليّ حين مررت به و خيرهم حين رجعت إليه». و في حديث أبي سعيد: فأقبلت راجعا فمررت بموسى و نعم الصاحب كان لكم».

التنبيه الرابع و الأربعون:

قول موسى (عليه الصلاة و السلام): «لأن غلاما ..» ليس على سبيل النّقص بل على سبيل التنويه بقدرة اللّه و عظيم كرمه، إذ أعطى نبينا (صلّى اللّه عليه و سلم) في ذلك السّنّ ما لم يعطه أحدا قبله ممّن هو أسنّ منه.

و قال الخطّابي: العرب تسمي الرجل المستجمع السّنّ: غلاما ما دامت فيه بقيّة من القوة [في الكهولة] و قال ابن أبي جمرة: العرب إنما يطلقون على المرء غلاما إذا كان سيّدا فيهم. فلأجل ما في هذا اللفظ من الاختصاص على غيره من ألفاظ الأفضلية ذكره موسى دون غيره تعظيما للنبي (صلّى اللّه عليه و سلم). قال الحافظ: و يظهر أن موسى (عليه السلام) أشار إلى ما أنعم اللّه‌


[1] أخرجه مسلم 4/ 2216 (20- 2890).

نام کتاب : سبل الهدى و الرشاد في سيرة خير العباد نویسنده : محمد بن يوسف الصالحي الدمشقي    جلد : 3  صفحه : 125
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست